غزة | فيما يتواصل الهجوم البرّي على مخيم جباليا ومناطق واسعة من شمال قطاع غزة، جدّد جيش الاحتلال هجومه على المستشفيات كافة، حيث أقدم، منذ اليوم الأول، على حصار مستشفى «الإندونيسي» الذي أُعيد تأهيله قبل بضعة أسابيع، فأخرجه مجدّداً من الخدمة. كذلك، إنه، وبعد أربعة أيام من حصار مستشفى «العودة» في حي تل الزعتر، قام، أول من أمس، بمهاجمته، حيث أخضع الطواقم الطبية للتحقيق، ثم أجبر أفرادها الذين يناهز تعدادهم الـ90 طبيباً وممرّضاً على مغادرته تحت تهديد السلاح. أيضاً، فرض العدو حصاراً نارياً على مستشفى «كمال عدوان» في مشروع بيت لاهيا، وهو المستشفى الحكومي الوحيد الذي كان يقدّم الخدمات الطبية لكل مناطق محافظة شمال القطاع، إذ قصف بوابته بقذائف الدبابات، فيما فرض القناصة حصاراً بالرصاص على كل مَن يتحرّك داخله، ما دفع عشرات الأطباء والممرّضين إلى مغادرته، توازياً مع خروج المرضى منه وهم على أسرّتهم، حيث مضى بهم مرافقوهم عدّة كيلومترات للابتعاد من دائرة النار. وهكذا، باتت مناطق محافظة الشمال خالية من أيّ فريق طبي قادر على التحرّك لإجلاء المصابين والشهداء الذين تزدحم بهم شوارع مخيم جباليا.وفي مستشفى «كمال عدوان»، الذي توجّهت إليه «الأخبار» قبل إخلائه، بدا الأمر كارثيّاً: العشرات من المصابين ملقون على الأرض، وعدد قليل من الأطباء والممرّضين يقدّمون الخدمة، وسط شحّ شديد في المستهلكات الطبية. ووفقاً للدكتور محمد ظاهر، وهو واحد من أطباء الطوارئ الذين لم يبرحوا المستشفى منذ اليوم الأول للحرب، فإن العشرات من الممرّضين اضطروا، في اليوم الأول، إلى الخروج لتأمين عائلاتهم ونقلهم من خطوط النار، فيما يعاني المستشفى أساساً نقصاً في الكوادر الطبية، التي اعتقل جيش الاحتلال عدداً كبيراً منها، ورحّل آخرين إلى جنوب القطاع. ويتابع ظاهر، في حديثه إلى «الأخبار»: «نحن مستمرّون في المقاومة، وفي أداء دورنا، ولكن الحدث الحالي أكبر من طاقتنا، العشرات من المصابين يصلون إلى المستشفى ولا يجدون مَن يقدّم لهم الرعاية. تنحصر قدراتنا في عمل الطوارئ، فيما قدرة غرف العمليات على إجراء عمليات جراحية للمصابين بالعظام محدودة جداً، كما يفتقد المستشفى إلى أجهزة التصوير الطبي، ما يعني أنه لا فرصة لإعطاء كل حالة حقّها الكامل من العلاج والرعاية».
أمّا في مستشفى «العودة»، فإن العدو قلّص، منذ اليوم الأول، قدرة سيارات الإسعاف على التحرّك لإجلاء الجرحى وعلاجهم، ثم أقدم على قصف الطابق الأخير من المستشفى، قبل أن يفرض حصاراً شاملاً عليه، مستهدفاً إياه بالرصاص على مدى أربعة أيام. ويقول محمد صالحة، وهو المدير الإداري لـ«العودة»: «لم نستطع القيام بواجبنا، الاستهداف المباشر حرم سيارات الإسعاف من العمل، كما أن القصف المستمرّ قلّص قدرة الأطباء على التنقل حتى في ممرّات المستشفى، علماً أنه الأخير هو المكمّل والرديف لدور مستشفى كمال عدوان الحكومي، حيث تتوافر غرفة عمليات وأطباء عظام يسدون حالة النقص الشديدة في التعاطي مع الحالات الطارئة».
وبخروج مستشفيات «العودة» و«كمال عدوان» و«الإندونيسي» عن العمل، تُرك شمال القطاع، في خضمّ العملية العسكرية، من دون أيّ رعاية طبية حقيقية لمئات المصابين والشهداء، حيث يخوض ضباط الإسعاف مغامرات خطيرة لإجلاء مَن يستطيعون من مصابين، فيما ليس لديهم أيّ وجهة لنقلهم إليها سوى مستشفى «المعمداني» الذي يبعد عن الشمال أكثر من 15 كيلومتراً، ويعاني هو الآخر من نقص حادّ في الوقود والمستهلكات الطبية، وتستنزف المجازر اليومية التي تطاول كل مناطق شمال وادي غزة، قدرة طاقمه على العمل.