رام الله | وسط إضراب شامل عمّ المدينة، شيّعت جماهير غفيرة في محافظة جنين 12 شهيداً، كانوا ارتقوا برصاص الاحتلال في العملية العسكرية التي شنّها الأخير على المخيم على مدار يومين، وخلّفت دماراً كبيراً. واستيقظ الفلسطينيون في جنين، عقب انسحاب جيش العدو، على دمار هائل في المرافق العامة والبنية التحتية، معايِنين مخلّفات المعركة الشرسة التي خاضتها المقاومة مع قوات الاحتلال، وكبّدتها فيها خسائر في المعدات والآليات والجنود، وثّقت بعضها كاميرات المواطنين التي رصدت بقايا حطام آليات عسكرية إسرائيلية. ورغم شراسة العملية التي شاركت فيها مئات الآليات العسكرية وأكثر من ألف جندي، إلا أنها، بحسب المراقبين، فشلت في تحقيق أهدافها في الوصول إلى المقاومين الذين شاركوا في مسيرة التشييع.وأفاد مركز «معطى» بأن المقاومين فجروا 10 عبوات ناسفة وأعطبوا 3 آليات عسكرية في اليوم الثاني من الاجتياح، بينما أكدت مصادر في «كتيبة جنين» تنفيذ عملية معقّدة بتفجير منزل جرى تفخيخه سابقاً بعبوات ناسفة شديدة الانفجار، بعد استدراج قوة خاصة إليه. وكانت أطلقت الكتيبة اسم «أسوار الموت» على المعركة التي خاضتها مع قوات الاحتلال إلى جانب بقية فصائل المقاومة، مؤكدة أنها لن تكون كسابقتها وسوف يكون لها ما بعدها، جازمة أن «جنين ستكون أسواراً يموت عليها الغزاة، وتنكسر على صخرتها كل المؤامرات والخطط الفاشية». وقالت إن «المعركة لن تكون نزهة لجيش الاحتلال، بل لعنة وخيبة في تاريخهم المليء بالخيبات والعار، ككيان يملك كل شيء إلا الشرف والأخلاق والإنسانية والحق والأحقية في وجوده وما يقوم به»، مؤكدة أنها أوقعت إصابات محققة في صفوف قوات العدو. وفي المقابل، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن جنود إسرائيليين قولهم إنهم يشتبكون في جنين مع مقاومين يطلقون الرصاص ويفجّرون العبوات الناسفة، و«(إننا) لم نجد فرقا كبيراً بين ما واجهناه في غزة وما نواجهه الآن في جنين».
وخلّفت المواجهات دماراً هائلاً في المدينة والمخيم، تعمّدت قوات الاحتلال إحداثه في محاولة منها للضغط على البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة. وقدّرت أوساط محلية، في حديث إلى «الأخبار»، أن حجم الخسائر، خلال يومين من المعركة، بلغ أكثر من 30 مليون شيكل (8 ملايين دولار)، لافتةً إلى أن طواقم البلدية والهيئات المحلية بدأت إصلاح الأضرار في المحافظة. وعلى مستوى الخسائر البشرية، أصبح عدد الشهداء الذين تشيّعهم جنين منذ 7 أكتوبر، 126، بينما ارتفع عدد الشهداء في الضفة منذ ذلك الوقت إلى 518، ما يعني أن 25% هم من جنين. ويقول رئيس بلدية المدينة، نضال عبيدي، لـ«الأخبار»، إن «الخسارة الكبرى للمحافظة هي العدد الكبير من الشهداء والجرحى، ومنهم الطبيب والأستاذ والطالب»، مضيفاً أن «الاستهداف كان شاملاً ولم ينجُ منه أحد، من مرافق صحية وكوادر، ومرافق تعليمية وطلاب وأساتذة وصحافيين».
تتعرض جنين، منذ 3 أعوام، لاجتياحات متكرّرة خلّفت دماراً كبيراً، دائماً ما تتقصّد قوات الاحتلال إيقاعه


ويلفت العبيدي إلى أن «الاحتلال تعمّد، منذ بداية العملية العسكرية، تدمير خطوط المياه الناقلة إلى مستشفى جنين الحكومي وجميع المستشفيات»، متابعاً أن العدو «جرف الشوارع الرئيسة مثل شوارع حيفا والناصرة، وجميع الميادين العامة والتي تحمل أسماء الشهداء وصورهم»، مقدّراً الخسائر بما لا يقلّ عن 8 ملايين دولار، وفقاً لما أظهره تقييم أولي. ويشير إلى أن «البلدية تجتمع مع المؤسسات المختلفة والوزارات والمحافظة ومؤسسات المجتمع المدني»، معلناً «التوافق على إنشاء صندوق طوارئ من أجل تحسين الخدمة، نظراً إلى ضرورة التصرف بسرعة لإصلاح ما دمره الاحتلال»، موضحاً أن «التركيز في العمل ينصبّ على الخدمات الهامة كتوفير المياه والكهرباء وإصلاح شبكات الصرف الصحي».
وتتعرض جنين، منذ 3 أعوام، لاجتياحات متكررة خلّفت دماراً كبيراً، دائماً ما تتقصّد قوات الاحتلال إيقاعه. وفي هذا الإطار، يقول عبيدي: «نحن نعاني منذ عامين وأكثر»، مبيّناً أن «حجم التدمير في مدينة جنين ومخيمها يفوق الحد وقدرة البلدية، ولذلك تتم الاستعانة بالمؤسسات في المحافظة وبعض البلديات والحكومة». مؤكداً أن «العدو يتعمّد بشكل منهجي قتل الفلسطينيين مع كل اجتياح، كما يتعمّد التدمير والتخريب، وهو يأتي من أجل استنزاف القوة الموجودة لدينا»، مضيفاً أن «سياسة التطهير لدى جيش الاحتلال تحظى بغطاء من حكومة نتنياهو». ويفيد مدير الحكم المحلي في جنين، عبد المجيد مدنية، بدوره، «الأخبار»، بأن «حجم الأضرار المدنية في المدينة والمخيم تجاوز 8 ملايين دولار، وهي تتركز في المخيم»، لافتاً إلى «أننا شرعنا في إصلاحها، حيث تم توصيل خدمات المياه إلى المستشفى، وبدأنا بإصلاح الطرق قدر الإمكان لتيسير عمل المواطنين»، مضيفاً أنه «جرى توفير 25 آلية للعمل مباشرة فور انسحاب قوات الاحتلال».
ويشير إلى أن «عدد البيوت المهدّمة بشكل كامل، بلغ 3 في المخيم، إضافة إلى تضرر عدد منها بشكل جزئي»، معلناً أن «لجنة ستتوجه إلى حصر تلك الأضرار وتصنيفها»، مستدركاً بأن «العمل يتركز حالياً على البنية التحتية التي تخدم الأهالي بشكل عام». ويذكّر مدنية بأنه «في شهر تموز 2023، مع بدء الاجتياحات الكبيرة للمدينة، بلغت الخسائر آنذاك 50 مليون شيكل، وحتى الاجتياح الأخير وصلت مجمل الخسائر إلى قرابة 100 مليون شيكل»، موضحاً أن «ما يتم إصلاحه والعمل عليه، يعود الاحتلال إلى تدميره من جديد، وهذا يهدف إلى الضغط علينا جميعاً، وتأليب الأهالي ودفعهم إلى الهجرة»، مؤكداً أن «ما يرتكبه الاحتلال في رفح وجباليا ينفذه هو نفسه في جنين».