القاهرة | لا يبدي النظام المصري أي ميل إلى التصادم مع إسرائيل، رغم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على الحدود مع قطاع غزة، في خرق واضح لاتفاقية «كامب ديفيد» الموقّعة مع كيان الاحتلال منذ عام 1979، بل هو يسعى، في الوقت الحالي، إلى تجنّب ما يراه بمثابة «أضرار» قد تحدثها هذه الانتهاكات في الداخل المصري. وفيما تنظّم المعاهدة المذكورة طبيعة الوجود العسكري في سيناء، سجّلت الأيام الماضية خروقات إسرائيلية واضحة للملحق الأمني بالاتفاقية بشأن التواجد على محور صلاح الدين، حيث تموضعت المعدات الإسرائيلية العسكرية الثقيلة، خلافاً لكون الشريط الحدودي مع قطاع غزة ضمن منطقة لا يفترض تواجد أي معدات عسكرية فيها.وعلى خلفية ذلك، ليس تلويح النظام بتعليق الاتفاقية، سوى مجرد «شو إعلامي» ومناورة ضغط، في محاولة للاستجابة للأصوات المصرية التي يتصاعد غضبها إزاء جرائم الاحتلال في قطاع غزة. وبحسب تقديرات موقف اطّلعت عليها «الأخبار»، فإن ثمة مقترحات جرى تداولها بالفعل حول الاتفاقية ورُفعت إلى المستويات الأعلى في الدولة، لكن القرار انتهى إلى أن «الاتفاقية ستكون إحدى أدوات الضغط، ولن يتم اللجوء إلى تعليقها أو إلغائها قبل الإعلان عن شكاوى رسمية حول المخالفات الإسرائيلية أمام الأمم المتحدة»، وأن «إدارة الأزمة تستوجب مزيداً من الحكمة والتأني في الوقت الحالي وعدم التصعيد في اتجاه مآلات يصعب العودة منها من دون أضرار». وفيما اقترحت بعض تقديرات الموقف، التي قُدمت من سياسيين وعسكريين، تنسيق موقف عربي موحّد تجاه إسرائيل في حال التصعيد، من خلال التلويح بقطع العلاقات بشكل كامل ووقف عمليات التنسيق التي تجريها مصر والأردن، شريطة أن يكون هذا الأمر شاملاً الإمارات والمغرب أيضاً، يؤكد دبلوماسيون مصريون أن ذلك «لن يكون من الممكن تطبيقه».
وعلى الأرض، وبينما تتواجد قوات قتالية كاملة تقريباً على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، يؤكد مسؤولون مصريون وجود توجه بـ«تجنب استخدام رصاصة واحدة»، وسط تمسك معلن بالاتفاقية ما لم يبادر الطرف الآخر إلى التخلي عنها، وهو ما يبرره المسؤولون بـ«حماية البلاد من خطر الانخراط في حرب إقليمية»، غير أن ذلك «لا يمنع من وجود بعض المناورات التي يتم إجراؤها في محاولة للتخفيف من وتيرة التصاعد»، بحسب هؤلاء. كما يحاول المسؤولون، في الإطار التبريري نفسه، تشبيه التحركات الإسرائيلية بالتعديلات غير المكتوبة التي شهدها العقد الأخير، في إطار توافقات بين الجانبين، سُمح فيها للسلطات المصرية بإدخال معدات عسكرية ثقيلة إلى الشريط الحدودي وتنفيذ طلعات جوية للمرة الأولى، وذلك ضمن المواجهات العسكرية التي خاضها الجيش مع الجماعات المتشددة بالقرب من الحدود. وعليه، يدّعي النظام أن «الخروقات الأخيرة ليست بمثابة فعل يمكن أن يؤدي إلى الانسحاب من الاتفاقية أو تعليقها»، وخاصة مع ورود تطمينات أميركية مستمرة بشأن الوضع على الشريط الحدودي، واستمرار عمل اللجنة العسكرية الثلاثية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، والتي كانت على علم مسبق بتفاصيل التحركات الإسرائيلية منذ أسابيع، وفق ما يدافع به المصريون.
وبحسب المعلومات، تلقّى رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، تقارير أمنية تفيد بأن مبادرة إسرائيل إلى تحرك عدائي ضد مصر «ليست مطروحة أو واردة على الإطلاق، حتى في حال وقوع حادث فردي يستهدف القوات الإسرائيلية ينطلق من الأراضي المصرية»، وهو ما جعل الجانب المصري «متفهّماً لطبيعة المعدات العسكرية التي وصلت بالفعل إلى الشريط الحدودي»، على رغم كون تحرك هذه الأخيرة بداية لجريمة ينوي العدو ارتكابها في رفح. كذلك، يُطمئن المصريون أنفسهم بأنه «لا دفع بمزيد من المعدات إلى هناك»، وفقاً للسيناريوات المستقبلية التي أبلغت بها إسرائيل المسؤولين المصريين، عبر التنسيق والتواصل مع القادة العسكريين اللذين لا يزالان قائميْن على حالهما.
أما على الصعيد السياسي، فحذّر المسؤولون المصريون من تداعيات اقتحام رفح، بعد فشل مفاوضات القاهرة، مساء الخميس الماضي. وندّد هؤلاء بالموقف الإسرائيلي الذي يصعّد من الأزمة ويمنع إحداث انفراجة في ما يتعلق بالوضع الإنساني أو الاستقرار الأمني المفترض تحقيقه على الشريط الحدودي، علماً أن الجانب المصري لن يقوم بـ«أي أعمال إغاثية» يرى أن من شأنها «أن تؤدي إلى حدوث احتكاك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي». ويرى مسؤولون مطّلعون، في هذا السياق، أن القاهرة «تريد تجنب الحرج الإقليمي بشأن علاقتها مع إسرائيل والتنسيقات التي تجريها، خاصة مع تصاعد اللهجة نسبياً ضدها من بعض الدول الداعمة للمقاومة»، وهو أمر يجري تنسيق ردود مشتركة عليه مع كل من الأردن وقطر، مع الأخذ في الاعتبار أن «المساس باتفاقية كامب ديفيد، بصيغتها الحالية، أمر غير مطروح نهائياً حتى في حالة التصعيد الإسرائيلي إلى أقصى درجة على الحدود، سواء بالسيطرة على محور صلاح الدين أو اقتحام معبر رفح بشكل كامل».