ما حدث في «كولومبيا» تكرّر بطرق متفاوتة في عدد من الجامعات الأميركية الكبرى
ويقول مطلعون إنّ شفيق، المصريّة الأصل، تتعرض لضغوط شديدة من مشرّعين يمينيين وجهات صهيونية لقمع الاحتجاجات التي اجتاحت حرم «كولومبيا» منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد نجت من استدعاء للمساءلة أمام لجنة التعليم في الكونغرس، والتي يسيطر عليها الجمهوريّون، بعدما قدّمت إجابات صريحة تتوافق مع توقعات اللوبي الصهيوني، خلافاً لما فشلت فيه قبلها رئيستا جامعتي «هارفارد» و«بنسلفانيا» وفقدتا بنتيجته منصبيهما. وقالت شفيق التي كانت في «الكابيتول هول» - مقر الكونغرس - يوم الأربعاء الماضي، إنّها تشعر بالإحباط لأنّ ترسانة السياسات والإجراءات في «كولومبيا» غير كافية للتعامل مع اللحظة، وإنّها اضطرت لتحديث عدد منها بما في ذلك حصر فرص الاحتجاج بأوقات معينة وأماكن محدودة، وتفصيل إجراءات الإيقاف عن الدراسة والفصل التأديبي على مقاس الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. وكانت شفيق قد أوقفت عشرات الطلاب المؤيدين للفلسطينيين عن الدراسة، بمن فيهم يهود، لمشاركتهم في تنظيم أنشطة ادّعت الجامعة أنّها تمجد العنف وتدعم منظمات مصنّفة إرهابية في الولايات المتحدة، فيما أُبلغ عدد من الطلاب بطردهم من السكن الجامعي عقاباً لهم على حضور تلك الأنشطة.
وحتى اللحظة، لم يكن هناك ما يشير إلى أن شفيق، التي تولت منصبها قبل أقل من عام، قد فقدت ثقة مجلس إدارة الجامعة، ولكنّ موقفها المتخاذل أمام لجنة الكونغرس يوم الأربعاء، وتكتيكاتها العدوانية يوم الخميس، واستدعاءها الشرطة لاعتقال الطلاب، كلها قد تجعل إقالتها مطلباً مركزياً للطلاب. وبالفعل، شوهدت شاحنة بالقرب من أحد المداخل الرئيسة حيث كان يُعتقل الطلاب، وعليها لوحة كبيرة مفادها: «مينوش شفيق، حان وقت الاستقالة، ونحن هنا لمساعدتك على ذلك» («مينوش» اسم للسخرية مشتقّ من نعمت).
وتتناقض سياسة شفيق مع تاريخ عريق من الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها «جامعة كولومبيا»، لعل أشهرها ثورة الطلاب في 1968 بإذن من إدارة الجامعة، والتي أعقبتها حملة وحشية شنّها ضباط الشرطة ضدهم. وقد شوهت تلك الحادثة تحديداً سمعة «كولومبيا» ودفعت الإدارات المتلاحقة إلى تبنّي إصلاحات لمصلحة حرية النشاط الطلابي، أصبحت ــ حتى تولي شفيق ــ سمةً لثقافة الجامعة تقوم بتسويقه للطلاب المحتملين. وندد «اتحاد الحريات المدنية» في نيويورك بشفيق وإدارة الجامعة لتعاملها القاسي مع الاحتجاجات. وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، دونا ليبرمان، في بيان، إنّ «تحرك كولومبيا لاستدعاء الشرطة بهذه الطريقة مسألة تقشعر لها الأبدان، ويمثل خروجاً صريحاً عن التقاليد المعتمدة، ويثير تساؤلات حول معاملة الجامعة المتباينة للطلاب بحسب آرائهم».
وما حدث في «كولومبيا» تكرّر بطرق متفاوتة في عدد من الجامعات الأميركية الكبرى بعدما انخرطت أعداد متزايدة من الطلاب في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين ومناهضة للإبادة التي تنفذها قوّات الاحتلال، بتواطؤ أميركي، ضدهم. وتجرأت بعض المؤسسات الأكاديمية الأكثر شهرة في البلاد، بوصفها معاقل عالمية لليبرالية، على تطبيق إجراءات تعسفية صارمة ضد المحتجين، تماثل تلك التي تجري في دول تحكمها سلالات من مثل السعودية والإمارات وقطر. وإلى «كولومبيا»، اتخذ «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» وجامعات «نيويورك» و«براون» و«ميتشيغان»، أخيراً، قرارات بطرد عشرات الطلاب، فيما استدعيت الشرطة للقيام باعتقالات، ولكن الاحتجاجات لا تتوقف، ما قد يفتح الباب أمام تدحرج الأمور نحو موجة ثوريّة طلابية واسعة تستدعي أجواء الصدامات الحادة حول حرب فيتنام.