غزة | في الوقت الذي عادت فيه مظاهر الحياة إلى مناطق شمال وادي غزة، وشهدت الأسواق حركة نشطة بعدما دخلت إليها البضائع والمواد الأساسية التي ظلت ممنوعة لأكثر من خمسة أشهر، يواصل جيش الاحتلال استهداف كل المظاهر الحكومية هناك. إذ قصف، قبل أيام، سيارة تابعة لجهاز الشرطة كانت تعمل على تنظيم حركة السوق ومنع الاحتكار. وترافق القصف الجوي، الذي تسبب باستشهاد ستة من عناصر الشرطة الفلسطينية في حيّ التفاح شرق مدينة غزة، مع غارات مماثلة طاولت عناصر أمنية في مخيم الشاطئ وشارع يافا شرق المدينة، وهو يستكمل مسلسلاً طويلاً اغتال فيه جيش الاحتلال، خلال الشهر الماضي، نحو 70% من عناصر وقيادات «وحدة التأمين العشائرية»، إلى جانب العشرات من قيادات الأجهزة الأمنية، كان آخرهم مدير «جهاز الشرطة» في محافظة شمال غزة، رضوان رضوان. وتؤذي مشاهد الحياة التي بدأت تتصدّر الوسائل الإعلامية «الجبهة الداخلية» لجيش العدوّ، إذ أقامت القنوات العبرية، أمس، مندبة بعدما نشر الصحافيون صوراً لأسواق الشمال وهي تعجّ بالبضائع والأهالي، إلى جانب مشهد الآلاف من المواطنين الذين هربوا من الطقس الحار إلى شاطئ البحر في مدينة دير البلح ومخيم النصيرات وسط القطاع. وقارن العشرات من الصحافيين الإسرائيليين تلك المشاهد مع ما هي عليه الحال في شواطئ يافا وعسقلان التي يختبئ سكانها في الملاجئ، وعلّقوا بالقول: «هذا هو الانتصار المطلق الذي حققته غزة بعد 7 أشهر من الحرب». ولعلّ ما يكمل ذلك المشهد، وما كان يخشاه العدوّ، هو ظهور صور لشرطة المرور وعناصر بعض القطاعات الحكومية الأخرى، وهي تمارس عملها بشكل طبيعي، في مناطق شمال وادي غزة. لذا، يحافظ جيش العدو على مجهود عسكري موازٍ للعمليات البرية، يستهدف تقويض ما يستطيع من العمل الحكومي بشقّيه المدني والعسكري. وحول جدوى تلك الخطوات، يقول مصدر أمني تحدثت معه «الأخبار»، إن «الضربات المتواصلة لجهاز الشرطة وقيادات الأجهزة الأمنية حرمت تلك الطواقم من العمل المريح»، مشيراً إلى أن «الأجهزة الأمنية غيّرت بروتوكول العمل، من الظهور العلني والتحرك بسيارات الشرطة، إلى المتابعة المدنية لكل مفاصل الحياة وتفاصيلها»، مستدلاً على فعالية ذلك بأن «التجاوزات الأمنية والمشاكل الاجتماعية الداخلية مضبوطة إلى حد كبير».
لم تنشأ عصابات سرقة منظّمة، ولم تنتشر السرقة والبلطجة في شمال غزة كما كان يشتهي العدوّ


وقدّر المصدر الأمني ذاته أن جيش العدوّ «كان يريد القضاء على الجسم الأمني والحكومي في القطاع بالتزامن مع السماح بدخول شاحنات البضائع التجارية والمساعدات». والمشهد الذي كان يطمح إليه الاحتلال، وفقاً للمصدر، «ليس أن توزع المساعدات بطريقة منتظمة، وأن تصل شاحنات البضائع التجارية إلى التجار المحليين، ثم تعرض في الأسواق، إنما أن ينشب اقتتال داخلي، يتسبب به هجوم الأهالي بشكل عشوائي على تلك الشاحنات». ويتابع أنه «برغم هامش المخاطرة الكبيرة، وتعمّد جيش العدو استهداف وحدات التأمين، وارتقاء عدد كبير من الشهداء وهم يحاولون إدخال المساعدات، إلا أننا تمكنّا من تجاوز الأيام الصعبة»، لافتاً إلى أن «المساعدات دخلت بشكل سلس، وحصل عليها الأهالي بطريقة منظّمة وكريمة، فيما بدأ التجار يعملون من دون أيّ هامش للمخاطرة، إذ لم تنشأ عصابات سرقة منظّمة، ولم تنتشر السرقة والبلطجة في شمال غزة كما كان يشتهي العدوّ».