رام الله | بملابس قديمة، وقدمين حافيتين، وملامح تنمّ عن صدمة نفسية قوية، جعلته غير قادر على النطق وإدراك ما يجري حوله أو التعرف على عائلته ومحيطه وأصدقائه، تحرّر الأسير مجاهد عمارنة من بلدة يعبد (جنوبيّ جنين) بعد عامين ونصف عام من العزل. وكان مجاهد قد عانى، إضافة إلى العزل والتعذيب المستمر، من إهمال طبي متعمد لأكثر من عام، فاقم من إصابته بعدة كسور في كتفه وأضلاعه وضرر في العصب السابع أثّر على حركة يده وقدمه، فضلاً عن الضرر النفسي الذي بدت أعراضه واضحة على وجهه عقب الإفراج عنه على معبر الظاهرية، أول من أمس. وبعد نقله إلى «مجمع فلسطين الطبي» في مدينة رام الله، قالت عائلة عمارنة إنه تعرّض للضرب حتى في الأيام التي سبقت الإفراج عنه، وإنه فقد حوالي 35 كيلوغراماً من وزنه، ولديه أمراض كثيرة في جسده وسقطت أسنانه، كما يواجه صعوبة في تناول الطعام. وتعكس حالة مجاهد صورة بسيطة عن الواقع القاسي الذي يعيشه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، والتي تحوّلت إلى جحيم تمارس فيه سلطات السجون جرائم القتل والتعذيب، في ظل حرمان العدو المؤسسات الدولية، وعلى رأسها «الصليب الأحمر»، والمحامون، من زيارة هؤلاء. كذلك، تنطبق حالته على ما يعانيه المئات من الأسرى المفرج عنهم، من صدمات نفسية قاسية وأعراض ذهول، أو علامات تعذيب، أو انخفاض كبير في أوزانهم، أو إصابتهم بأمراض، أو كل هذه الأعراض مجتمعةً. ويحل «يوم الأسير الفلسطيني» لهذا العام (17 نيسان)، في وقت يعيش فيه الأسرى ظروفاً مأسوية تفاقمت منذ 7 أكتوبر، حيث سجلت السجون نقطة تحوّل كبيرة، بات معها نزلاؤها يتعرّضون لجرائم مروّعة من تعذيب ممنهج وجرائم طبية وتجويع واعتداءات يومية وتنكيل، وهو ما أدى، في محصلته، إلى استشهاد 16 منهم، بينما يتعرّض أسرى قطاع غزة لجريمة «الاختفاء القسري».
وإسناداً للأسرى في السجون، شهدت مدن الضفة الغربية، أمس، مسيرات وفعاليات جماهيرية، تلبية لبرنامج وطني أعلنته القوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات الأسرى، ويشمل مخيمات الشتات في لبنان وسوريا، ويمتد إلى العديد من عواصم العالم، للمطالبة بوقف الجريمة المرتكَبة بحق هؤلاء. وفي هذا الإطار، تظاهر نشطاء وشبان أمام مقر «الصليب الأحمر» في مدينة البيرة، حيث أعربوا عن غضبهم واحتجاجهم على انحياز «الصليب الأحمر» إلى الاحتلال وإهماله للأسرى خلافاً لادّعائه «الحياد»، وعلّقوا لافتات على مداخل مقره، حمّلت «صمته» مسؤولية المساهمة في قتل نحو ألف أسير وأسيرة، منتقدين تقاعسه عن متابعة أوضاع وظروف أسرى قطاع غزة، والذين تطبق عليهم إسرائيل أقسى أنواع التعذيب والقتل في زنازينها وسجونها وقواعدها السرية.
يبلغ عدد الأسرى أكثر من 9500، وهو عدد لا يشمل معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة الاختفاء القسري


وقد تعرّض الآلاف من أسرى غزة، من نساء وأطفال ومسنّين ومرضى، لجرائم مرعبة وصلت إلى حد اغتصاب نساء، وبتر أطراف، وسط رفض الاحتلال الإفصاح عن أيّ معلومات عنهم، فيما كشفت وسائل إعلام عبرية عن استشهاد 27 من هؤلاء داخل المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال. وكان العدو قد اعتقل أكثر من 5 آلاف فلسطيني من القطاع منذ 7 أكتوبر، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. كذلك، صعّدت إسرائيل من استخدام قانون الاعتقال الإداري، ليرتفع عدد المعتقلين إدارياً حتى بداية نيسان من العام الجاري إلى أكثر من 3660، من بينهم 22 من النساء، وأكثر من 40 طفلاً، علماً أن معظمهم أسرى سابقون أمضوا سنوات في سجون الاحتلال، بينما بلغ عدد المعتقلين الذين صنّفهم العدو بـ«المقاتلين غير الشرعيين»، وفقاً لإدارة السجون، 849 حتى بداية نيسان 2024. وعانى الأسرى المرضى، أكثر من غيرهم، من تلك السياسات التي أدت إلى استشهاد العديد منهم، وآخرهم وليد دقة المصاب بالسرطان، وقبله خالد الشاويش، فيما انضم إلى قائمة الأسرى المرضى والجرحى، عشرات آخرون، جراء الإجراءات الانتقامية الممنهجة.
وبحسب مؤسسات الأسرى، يبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال، اليوم، أكثر من 9500 أسير/ة، بينما يبلغ عدد الأسيرات 80، منهنّ ثلاث رهن الاعتقال منذ ما قبل السابع من أكتوبر. كذلك، وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 252 شهيداً منذ عام 1967، بينما يبلغ عدد الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم 27، أقدمهم الأسير الشهيد أنيس دولة المحتجز جثمانه منذ عام 1980. والجدير ذكره أن تلك المعطيات لا تشمل معتقلي ومعتقلات غزة، الذين يستمر العدو في إخفاء هويات معظم الشهداء منهم، بعدما ارتقوا في المعسكرات التابعة له.
وفي ظل مفاوضات تبادل الأسرى الجارية بين المقاومة والاحتلال، تتجه الأنظار إلى أصحاب المحكوميات العالية، والذين يمنّون النفس بالحرية في إطار صفقة جديدة. ويبلغ عدد الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد ومن ينتظرون أحكاماً مؤبّدة، نحو 600 أسير، أعلاهم حُكماً الأسير عبد الله البرغوثي المحكوم بالسّجن لـ 67 مؤبداً، يليه الأسير إبراهيم حامد المحكوم بالسجن لمدة 54 مؤبداً. كما يبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين بشكل متواصل، منذ ما قبل توقيع «اتفاقية أوسلو»، 21، أقدمهم محمد الطوس من بلدة الجبعة، والمعتقل منذ عام 1985. يضاف إلى هؤلاء 11 أسيراً كانوا قد اعتقلوا منذ ما قبل توقيع «أوسلو»، وأفرج عنهم مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ضمن صفقة «وفاء الأحرار» التي تمّت عام 2011 بين المقاومة والاحتلال، قبل أن يعاد اعتقالهم عام 2014.