غزة | إلى جانب الدمار الهائل في المباني الذي لحق بكلّ مناطق قطاع غزة، كان لافتاً أن العمليات البرية التي شنّها جيش الاحتلال في مناطق شمال وادي غزة، وضعت على رأس أولوياتها هدف تخريب وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة والصحية والخدماتية. ولم تخرج جرافة الـ «d9» من حي سكني، إلا وقد دمّرت الطرقات العامة وأعمدة الكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي، على نحو كلّي. كذلك، طاول التدمير مباني ومعدات البلديات المحلية، والآلاف من المحال التجارية والمؤسسات الأهلية.آخر التقديرات التي نشرها «البنك الدولي»، يخلص في إحصائية أولية أعدّها بالشراكة مع الأمم المتحدة، إلى أن إسرائيل أحدثت تدميراً تجاوزت تكلفته الـ 18.5 مليار دولار في الفترة من السابع من تشرين الأول إلى بداية كانون الثاني الماضيين. ويلفت إلى أن ذلك الرقم يمثّل 97% من الناتج المحلي لقطاع غزة والضفة الغربية لعام 2022. ويفيد التقرير بأن 70% من التدمير نتجت من هدم المنازل والأبنية السكنية. أما ما لحق بالبنية التحتية للخدمات العامة، مثل المياه والصحة والتعليم، فيُقدر بما نسبته 19%، فيما تبلغ حصة المباني التجارية والصناعية 90% من مجموع المبلغ المقدّر. ذلك الدمار الهائل، تسبّب بتراكم نحو 26 مليون طن من الأنقاض والركام، من المتوقع أن تتطلّب عملية إزالتها سنوات عدة.
ووفقاً لتقدير خبراء اقتصاديين تحدّثت معهم «الأخبار»، فإن الأشهر التي أعقبت الحد الذي توقفت عنده تقديرات البنك الدولي، تضمّنت حملات برية كبرى، طاولت مناطق بأكملها مثل محافظة خانيونس. كذلك، كرّر جيش الاحتلال، عقب انتهاء المدة المشمولة بالإحصاء، توغّله في قلب مدينة غزة مرتين، كان آخرهما حصار مستشفى الشفاء. وقد ضاعفت تلك العمليات حجم التدمير والتخريب الذي طاول البنية التحتية والمقدّرات الاقتصادية والتجارية. ويوضح أحد هؤلاء الخبراء أن «ذلك يعني أننا قد نكون أمام أرقام مضاعفة لتلك التي نُشرت حتى اللحظة، حيث إن واجهة شمال وادي غزة التجارية والحضارية المتمثّلة في حيي الرمال والنصر، دُمّرت تماماً، وكذلك حدث في مدينة خانيونس، وهي أهم مدن مناطق جنوب وادي غزة».
وإلى جانب التدمير الممنهج والمدروس لقلب المدن ومراكزها التجارية، كان نصيب الأحياء الطرفية من التدمير مضاعفاً، إذ يجري الحديث عن بلدات وأحياء بأكملها في شرق وغرب شمال وادي غزة سُويت تماماً بالأرض. وتصل نسبة الدمار في أحياء مثل «العامودي» و«الأميركية» و«التوام» و«المقوسي» و«الكرامة»، إلى 95%. وفي الأحياء الشرقية للشمال، مثل «التفاح» و«الشجاعية» و«بيت حانون» و«السكة» و«تل الزعتر» و«القرم»، تتجاوز نسبة التدمير الـ97%، إذ لم تعد تلك المناطق صالحة للحياة بأي شكل من الأشكال. على أن الممارسات الإسرائيلية التي انعكست سلباً على حياة النازحين، كانت ملاحقة معدات وإمكانات البلديات المحلية. فبعد أن دمّر جيش العدو كل مباني تلك البلديات، لاحق خلال الأشهر الماضية، آخر شاحنات النفايات والجرّافات وآليات كسح وتسليك المجاري التي بقيت تعمل، ما تسبّب في تجمع أكوام كبرى من النفايات والحيوانات النافقة في أواسط المدن والمخيمات ومراكز الإيواء. ويقول مصدر في بلدية جباليا، لـ«الأخبار»، إن «الطائرات الحربية هاجمت مستودع المعدات الخاص بالبلدية، وقصفت نحو 10 آلاف ليتر من السولار، وخرّبت كل الآليات التي استغرق الحصول عليها عشرات السنوات، واستمرت الملاحقة للمعدات التجارية الخاصة بالشركات المحلية التي تعاونت معها، إلى أن خرج نحو 98% من الآليات عن الخدمة. ما زالت هناك جرافة واحدة في كل شمال غزة تقوم بمهمة جمع القمامة وفتح الطرقات بعد القصف. هذه حرب تستهدف الوجود بكامله».