غزة | من المفهوم ضمناً أن مظاهر إحياء «يوم القدس العالمي» التي كان يضجّ بها قطاع غزة في كل عام، كانت ورغم البعد الإعلامي والرمزي لها، تنعكس في حالة من السعار في الإعلام العبري، ذلك أنه من العسير أن يهضم العدو رؤية الآلاف من الجماهير يشاركون في فعاليات فنية وجماهيرية وإغاثية طوال أسبوع كامل، تزامناً مع فعاليات مماثلة في دول وعواصم محور المقاومة. البعد الذي يتضمنه إحياء ذلك اليوم، هو أن فلسطين، بما فيها قطاع غزة المحاصر، هو جزء أصيل من ذلك المحور الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران، وذلك أسوأ ما تريد أن تراه إسرائيل في القطاع.

في هذا العام، وعلى وقع الواقع الأمني الساخن، غابت فعاليات «يوم القدس» من شوارع القطاع. لم يخرج الآلاف من الأهالي في مسيرات جماهيرية، ولم تُنظم المعارض الفنية والأمسيات الشعرية. أيضاً، لم يُقَمْ إفطار رمضاني للصحافيين والإعلاميين، وآخر لأهالي الشهداء، وثالث للأطباء والممرضين.

في الخفاء فقط، تمكّن عدد من الشبان والفنانين من رسم جداريات حملت شعار إحياء المناسبة لهذا العام: تربّعت عبارة «طوفان الأحرار» على جدار هدمت القذائف نصفه في ساحة ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، وأخرى على عدة جدران من أحياء الزيتون والشجاعية. هذا المجهود البسيط، قدّم رسالة لا تخلو من التحدي من المدينة التي يريد العدو منها أن تخلع ثوبها المقاوم، لتلبس أثواباً أخرى، خالية من مضامين المقاومة والحرية.
في الخفاء فقط، تمكّن عدد من الشبان والفنانين من رسم جداريات حملت شعار إحياء المناسبة لهذا العام


في ساحة المقاومة، نشر الإعلام الحربي لـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«الجهاد الإسلامي»، رسالة مصوّرة، ظهر فيها مقاومو «السرايا» داخل العقد القتالية، وهم يؤكدون على مواصلة القتال، ويطالبون الأمة الإسلامية بنصرة المسجد الأقصى المبارك. أما في الميدان، فقد أثارت رشقات الصواريخ التي تكرر إطلاقها خمس مرات في نهار يوم أول من أمس الخميس، بحالة من الجنون، ترجمها جيش العدو بإطلاق العشرات من قذائف المدفعية على الأحياء الشرقية لمخيم جباليا، فيما دكّت «سرايا القدس» بقذائف «الهاون» الثقيلة تحشدات العدو في عدد من المواقع العسكرية.


أما بالنسبة إلى المقاومة التي عبّرت إحدى رسومات «يوم القدس» عن مخطّطها الطويل المدى في التعاطي مع الاحتلال: «ستبتلعكم رمال غزة»، فإنه وبعد مضي نصف عام من الحرب، لا تزال البنى الهيكلية للأذرع العسكرية بخير، وكل الضربات التي تلقّتها على الصعيد البشري واللوجستي، يمكن لأي فسحة من الهدوء أن تتيح إعادة ترميمها. وفي خلاصة الأمر، تقف غزة اليوم، في مرحلة تستشرف فيها مستقبلها، مدينة جريحة ومثقلة بأعباء قاسية، لكنها لا تغيّر جلدها.