غزة | يقترب شهر رمضان من الأفول، فيما لا تفتأ آلة القصف الصهيونية تهشّم كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، فلا يسلم منها لا البشر ولا الحجر. ومع استمرار تفشي حالة الجوع في القطاع من جراء الحصار الإسرائيلي، لا يجد الأهالي غير الحشائش الخضراء لصنع طعام الإفطار. تقول أم محمود الدلو، في حديث إلى «الأخبار»، والحسرة تعتصر قلبها: «كنا في الأعوام السابقة نعدّ أشهى الوجبات وألذّ المأكولات لمائدة الإفطار الرمضانية، أما الآن فبالكاد نجد ما يسدّ رمقنا». وتضيف المرأة، وهي أم لثلاثة أطفال صغار وزوجة لرجل مصاب: «جاء شهر رمضان ونحن نعاني من ويلات الحرب علينا، فلا سحور سوى الماء، وفي حال توفر التمر يكون مع الماء. أما الإفطار فهو ما توفره إدارة مركز الإيواء، وغالباً يكون طبق شوربة الأرز، وأحياناً نلتقط نبات الخبيزة من الأراضي المجاورة ونعدّ منها طبقاً آخر». والواقع أن حال «أم محمود» لا يختلف كثيراً عن أخريات، بل يمكنك أن تسمع الرواية نفسها من آلاف النساء. تقول أم محمد الدلو، التي فقدت بيتها ولجأت إلى مركز إيواء «الدحيان» مع أفراد أسرتها الأحد عشر: «غالباً ما يكون إفطاري هو الماء، لأن طبق الشوربة الذي يوفره مركز الإيواء لا يكفي العائلة، وخاصة أن لديّ طفلاً مريضاً بالقلب وبحاجة إلى الغذاء، وأطفالي صغار لا أقوى على رؤيتهم والجوع يأكل أمعاءهم». أما أم محمد عبيد فقد تكون محظوظة أكثر من نظيراتها؛ إذ إنها تستطيع شراء بعض مكونات الطعام الباهظة الثمن. تقول المرأة: «السحور هو زعتر ودقة من دون خبز لأن الذرة والشعير يتعبان معدتي، أما الإفطار فصنعت من نبات الهندبة فطائر ومن الخبّيزة طبيخ ملوخية، وأقراص العجة، كذلك صنعت من دقيق الصويا مع بعض البهارات برجر، والحمد لله».
وفي منزل زالت أجزاء منه جراء الاستهداف الصهيوني، تجمعت عائلة هداية أبو حسنين حول مائدة الإفطار، التي تحتوي طبقين من السماقية. تقول هداية «جمعنا كمية من الأعشاب التي يطلق عليها الحميض، وصنعت منها السماقية مع بعض التوابل والبهارات لعدم توفر المكونات الأساسية كالسلق والبصل»، لافتة إلى أنه «رغم أن هذه العشبة تؤدي إلى آلام في البطن، إلا أننا نضطر إلى تناولها لعدم توفر أي شيء غيرها». أما منى التتر، فتجلس في إحدى زوايا المصلى التابع لمركز إيواء «التابعين»، والذي نزحت إليه مع عائلتها من مشفى «الشفاء الطبي» بعد اقتحام الأخير من قبل جيش الاحتلال. تقول: «كنا نعيش في أمان الله في مشفى الشفاء، نصنع السماقية ونبيعها، وبعض المعجنات بالصلصة ونفطر بها، والخبيزة نطبخها، ولكن الاحتلال لا يروق له أن يرانا في أي حالة استقرار، فأجبرنا بعد يومين من الخوف والرعب وحرمان من الطعام والشراب على الخروج من المشفى دون أن نحمل أيّاً من حاجياتنا». وتضيف: «ها نحن الآن من دون أيٍّ من مقومات للحياة، نفطر على لقيمات يقدمها لنا من حولنا رغم صعوبة حالهم وانعدام المؤونة لديهم».
بدوره، يؤكّد نائب مدير مركز إيواء «الدحيان»، بلال هنية، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «المركز يؤوي 40 عائلة معظمها تعاني من وضع مالي صعب، بحيث تعتمد في إفطارها على ما نقدمه من طعام للنازحين». ويضيف: «غالباً ما يكون الإفطار عبارة عن طبق من شوربة الأرز، وذلك وفقاً لقدرة المتبرع حيث إن المواد الأساسية مرتفعة الثمن، ولا قدرة لدينا على شراء كميات كبيرة منها»، داعياً إلى مساعدة أهل غزة ومساندتهم في ظل حرب التجويع التي يمارسها العدو ضدهم.