طهران | يبدو أن المواجهة بين إيران وإسرائيل دخلت مرحلة جديدة، في أعقاب استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، فيما تتّجه الأنظار، الآن، إلى ما إذا كانت طهران ستستمرّ في انتهاج سياسة «الصبر الاستراتيجي»، أم أنها ستردّ على الهجوم بالمستوى نفسه. وأسفرت الهجمة على الممثلية الدبلوماسية عن مقتل سبعة من عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، من بينهم القيادي البارز العمید محمد رضا زاهدي الذي كان يشغل منصب قائد «فيلق حرس الثورة لسوريا ولبنان» بحسب قناة «العالم» الإيرانية. کما قُتل من جرّاء العدوان الذي أتى على المبنى المستهدَف، كلّ من العميد حاجي رحيمي، وحسين أمان اللهي، ومهدي جلالتي، ومحسن صداقت، وعلي آقابابايي، وعلي صالحي روزبهاني. وليست هذه المرّة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل مواقع للقوات الإيرانية في سوريا، أو تغتال قادة في «الحرس»، إذ اغتالت، في كانون الأول الماضي، أحد كبار قادة «الحرس الثوري»، رضي موسوي، في هجوم على منطقة السيدة زينب في ريف دمشق.وردّاً على الهجوم، أعلن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، فی بیان أمس، أن بلاده «ستعاقب» إسرائيل، وستجعلها «تندم على هذه الجريمة وغيرها»، فيما أكد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أن الضربات التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق «لن تمرّ من دون ردّ». وفي سیاق متصل، دان رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، العدوان على القنصلية، مؤكداً أن «قادة الكيان الإسرائيلي الغاصب ومناصريهم يعلمون أن هذه التحركات الآثمة ليس لها أيّ تأثير على إرادة المقاومين في المطالبة بالحرية وحقوقهم، وأن عملهم العدواني والخبيث سيواجه عقاباً شديداً».
وفي هذا الإطار، أعلنت إيران، أمس، أنها وجّهت «رسالة مهمّة» إلى الولايات المتحدة إثر استهداف قنصليتها في دمشق. ونُقلت هذه الرسالة، التي لم يتمّ الكشف عن مضمونها، إلى «مسؤول في السفارة السويسرية»، التي تمثّل المصالح الأميركية في الجمهورية الإسلامية، وذلك خلال استدعائه إلى وزارة الخارجية، بحسب ما أشار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي حمّل بدوره، إسرائیل مسؤولية عواقب
هذه الجريمة، مطالباً المجتمع الدولي بإجراءات حاسمة تجاه جرائم الكيان. أيضاً، أكد الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن الأبعاد المختلفة للعدوان «قيد النقاش»، مشدداً على احتفاظ طهران بحقّها في الردّ على هذا العمل الإجرامي، وموضحاً أن «إيران هي التي تقرّر نوع الردّ ونوع العقاب للاحتلال».
سارعت الولايات المتحدة لتبلغ إيران بأن «لا علاقة أو معرفة مسبقة لها»، بالعدوان الذي شنّته إسرائيل على قنصليتها


من جهتها، سارعت الولايات المتحدة إلى إبلاغ إيران بأن «لا علاقة أو معرفة مسبقة لها»، بالعدوان الذي شنّته إسرائيل على قنصليتها، بحسب ما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي. ووفقاً للموقع، قال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن «إسرائيل أخبرت الإدارة الأميركية بالهجوم قبل دقائق قليلة من قيام قواتها الجوية بتنفيذ الضربة»، وإنها «لم تطلب الضوء الأخضر الأميركي من أجل شنّها». وفي هذا الإطار أيضاً، دعت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة إلى «اجتماع طارئ» لمجلس الأمن الدولي من أجل «إدانة العمل الإجرامي غير المبرّر، والهجوم الإرهابي الذي ارتكبه النظام الإسرائيلي، بأشدّ العبارات الممكنة». ودانت دول مختلفة، بما في ذلك روسيا والصين والسعودية وقطر والإمارات ولبنان والأردن والعراق وسوريا، الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية، ووصفته بأنه انتهاك واضح للقوانين الدولية والمعايير الدبلوماسية.
وكما هو الحال بعد كل عدوان، تصاعدت مرّة جديدة المناقشات حول كيفية ردّ إيران على تصرّفات إسرائيل. فبينما يرى البعض أن على طهران أن تردّ بشكل مباشر، ويعتبرون عدم ردّها «علامة ضعف»، یعتقد آخرون أن إسرائيل التي واجهت إخفاقات كبيرة بعد عملية السابع من أكتوبر، تسعى لجرّ إيران إلى حرب واسعة، وأنه لا ينبغي للأخيرة أن تقع في هذا «الفخ» الإسرائيلي، فيما لا تزال السياسة الأفضل، بحسب هؤلاء، «الصبر الاستراتيجي».
وفي تعليقه على الواقعة، کتب حمید رسائي، أحد السياسيين من التیار الأصولي، أن «الهجوم الصاروخي على قنصلية إيران في سوريا، التي يرفرف فوقها علم بلادنا، يعني هجوماً على أراضي بلادنا. لماذا لا نردّ عليهم مثل الصهاينة؟! ومَن يخشى الصراع العسكري هو الکیان الصهيوني، وليس إيران الإسلامية القوية. فمَن اعتدَی علیکم فَاعتَدُوا علیه بمثلِ ما اعتدی علیکم». ومن جانبه، كتب مهدي محمدي، المحلّل السياسي وأحد المستشارين السابقين لرئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، أن «إحدى أكثر الكلمات غير الصحيحة هذه الأيام هي أن إسرائيل تريد جرّ إيران إلى الحرب بهذه الهجمات. إسرائيل لا تريد إطلاقاً حرباً واسعة النطاق مع إيران، وحربها معنا هي ما ترونه الآن. تعني هذه الجملة تجنّب خوض حرب حقيقية على أمل تجنّب حرب وهمية».
کذلك، دان الناطق باسم رئاسة البرلمان الإيراني، نظام الدين موسوي، الهجوم الإسرائيلي، قائلاً إن «الانتقام لدماء الذين قُتلوا في هذا الهجوم هو مطلب وطني، والرأي العام في بلادنا يؤيّد أيّ ردّ حاسم وإجراءات مضادة ضدّ العمل الإجرامي والإرهابي للصهاينة». بدوره، اعتبر العضو السابق في فريق التفاوض النووي، حسين موسويان، أن الهجوم بمثابة «محاولة من نتنياهو لجرّ إيران إلى حرب مباشرة»، مشيراً إلى أن «الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل، ووحدة المجتمع الدولي لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، ومشاورات طهران - واشنطن لإدارة التوتّر في المنطقة، وعدم معارضة أميركا للقرار الأخير ضدّ إسرائيل... كل هذا هو كابوس نتنياهو».
وفيما دعا البعض، إيران، إلى الردّ بالمثل ومهاجمة المراكز الدبلوماسية الإسرائيلية في الدول الأخرى، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة الشهيد بهشتي في طهران، محسن محمدي، إن «الكلمات التي تهدف إلى استفزاز إيران للقيام بأيّ نوع من الهجوم المضاد على الأماكن الدبلوماسية والقنصلية للنظام الإسرائيلي في البلدان الأخرى تُعتبر خطأً قانونياً واستراتيجياً وانتهاكاً للحكومة المضيفة». وفي الإطار نفسه، اعتبرت الصحافية الشهیرة، سارا معصومي، أنه «إذا ردّت إيران على هجوم اليوم في سوريا على أراضي الدولة أو دولة ثالثة، فإن الدولة الثالثة المضيفة ستردّ على إيران، وإسرائيل هي التي ستستفيد من ردّ الفعل الإيراني هذا». وبدروه، رأى المحلّل السیاسي، أمیر علي أبو الفتح، أن «الضربات التي توجّهها إسرائيل إلى إيران لا يمكن مقارنتها بالضربات التي توجّهها إيران إلى إسرائيل. لا تزال إيران هي صاحبة اليد العليا. إن ما يحدث لإسرائيل في غزة، في الصورة الكبيرة، هو مثال على اليد المتفوقة لإيران ضدّ إسرائيل».