غزة | ينبئ التجوال في «مستشفى كمال عدوان» في محافظة شمال قطاع غزة، بحجم الكارثة التي وصل إليها الواقع الصحي في المنطقة التي تضرب عليها إسرائيل حصاراً منذ بداية الحرب، ويعيش نحو 80% من سكّانها في مراكز الإيواء المكتظّة بالآلاف، وسط ظروف صحية وبيئية سيئة. العشرات من الأطفال الذين صبغ اللون الأصفر بشراتهم وعيونهم، ملقون على الأسرّة المكتظة، تترقّبهم عيون ذويهم، وقد نال التعب والهزال من المرضى ومرافقيهم. ووفقاً لطاقم التمريض، فإن كل الحالات التي يحتويها طابق المستشفى الثالث، مصابة بمرض التهاب الكبد الفيروسي. وتقول الطبيبة إيمان أبو جلهوم التي تعمل في قسم الأطفال، إن «أعداد الحالات المصابة بهذا المرض المعدي، تتصاعد بشكل يومي»، مضيفة، في تصريح إلى «الأخبار»: «قبل شهر من الآن، كانت تصلنا حالة أو اثنتان يومياً. الآن، يستقبل قسم الطوارئ وأقسام المبيت عشرات الحالات يومياً. المرض تفشّى في البداية بين الأطفال أصحاب المناعة الضعيفة. ثم تطوّر، ليطاول الرجال والنساء من مختلف الفئات العمرية». وتوضح أبو جلهوم أن «السبب الرئيسي في تفشي المرض، هو تدنّي مستوى النظافة. فمعظم سكان شمال القطاع، يعيشون في مراكز الإيواء المكتظة، حيث لا تتوفّر المياه النظيفة للشرب، ولا المياه المخصّصة للنظافة الشخصية، وزادت أوضاع المجاعة وسوء التغذية، من تدهور المناعة لكلّ الفئات العمرية». وتتابع أن «آلاف المصابين بهذا المرض، لم يقصدوا المستشفيات أساساً، لعلمهم أن أقصى ما يمكن أن نقدّمه هو محاليل الإشباع، إذ إن المختبر يعمل بالحد الأدنى من طاقته، والأدوية شحيحة».أبو كريم الذي يرافق نجله الذي لم يتجاوز من العمر 10 أعوام، وهو مصاب بالدرجة الأولى من المرض، يوضح، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الأزمة لا تتوقّف عند نقص العلاج، وانعدام سبل العزل، بالنظر إلى أن جميع الأطفال يعيشون في غرفة صفّية واحدة داخل مركز الإيواء، إنما تبدأ المعركة عند محاولة البحث عن الغذاء الذي يحوي قيماً سكرية عالية، مثل حلاوة السمسم والعسل الطبيعي. فمرضى الكبد الوبائي، يعانون من كسل في فرز السكريات، لذا فإن غذاءهم ينحصر في الطعام الذي يعوّض النقص». ويقول إن «ثمن علبة الحلاوة مثلاً، ارتفع من 3 دولارات إلى 30 دولاراً، وثمن كيلوغرام العسل من 10 دولارات إلى 40 دولاراً. وهذه الأسعار فوق طاقة العائلات التي تعيش أزمة يومية في تأمين حتى حشائش الأرض لإطعام الأسرة والأطفال».
أما أمّ ملك، فهي الأخرى لم تبرح المستشفى مع ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، منذ 15 يوماً، على رغم أن أبناءها الثلاثة أصيبوا بالعدوى ذاتها. تقول، لـ«الأخبار»، إن «أسوأهم حالاً هي ملك. تعاني من تقيّؤ مستمر، وهزال، وتدخل في موجات غيبوبة نتيجة فقدان الشهية، وعدم توفر الغذاء المناسب». وتتابع أن «المرض في هذه الظروف، هو موت بطريقة أكثر قسوة. يومياً يقضي أطفال كانوا يُعالَجون معنا في القسم ذاته. أشعر في كل لحظة، بأن ابنتي قد تكون الضحية التالية».
ووفقاً لتقديرات وزارة الصحة، فإن مراكز الإيواء في شمال وادي غزة، تحوّلت إلى بؤر لانتشار عدد كبير من الأمراض المعدية، مثل الجرب والسحايا والتهاب الكبد الفيروسي، فيما لم تستجب أي جهة دولية للمطالبات بضرورة إدخال لقاحات مناسبة للحيلولة دون تصاعد أعداد الوفيات.