غزة | انقلب المشهد الميداني في شمال وادي غزة، عقب توغّل دبابات العدو وحصارها للمرة الثالثة مجمع الشفاء الطبي، المستشفى الذي يؤوي بين جدران مبانيه قرابة 30 ألف نازح، ويشكّل آخر النقاط الطبية التي تقدّم الخدمة لنحو 500 ألف إنسان في شمال الوادي. ويمثّل اقتحام المجمع والعمل في داخله تحدّياً ميدانياً كبيراً، حيث يتّخذ جنود العدو من النازحين دروعاً بشرية، ما يحدّ من فرص استخدام المقاومة الأسلحة ويقيّد حرية عملها الميداني. لذا، انحصرت اشتباكات المقاومة مع القوات المتوغّلة في محيط المستشفى وبعيداً من مبانيه. وأعلنت «كتائب القسام» أن مقاوميها خاضوا اشتباكات عنيفة مع قوات العدو.في المقابل، وظّف العدو كلّ الوسائط الحربية، في تأمين القوات المتوغّلة، إذ أطلق مئات القذائف والصواريخ من طائرات الاستطلاع، وصنَع حزاماً نارياً طوال ساعات الاقتحام الخمس الأولى، ثم واصل قصف الأبنية السكنية المحيطة بالمربع في شوارع الجلاء والنصر والوحدة ومخيم الشاطئ. ويمكن فهم العملية المفاجئة في المستشفى، والتي اغتيل خلالها مسؤول قوى الأمن الداخلي في غزة العميد فائق المبحوح، في سياق المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تتضمّن تنفيذ عمليات خاطفة ومركّزة ومحدّدة. أما في السياسة، فهي تتزامن مع انتقال الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى الدوحة للقيام بجولة جديدة من التفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، تحتاج بطبيعة الحال إلى مزيد من أوراق القوة الميدانية. ولعل جيش العدو، الذي دخل الشهر السادس من الحرب مجرداً من أي إنجاز يرفعه على أنه صورة نصر، توقّع أن يجد في «الشفاء»، صيداً ثميناً يمكن اعتقاله أو حتى اغتياله، يقبل عقبه بوقف إطلاق النار، غير أن اغتيال العميد المبحوح الذي لم يتّخذ منذ بداية الحرب أي إجراء أمني يبعده عن الأنظار، بل مارس مهامه على نحو شديد الفعالية، ليس ذلك الإنجاز الذي يمكن التغنّي به في هذه المرحلة.
بالإضافة إلى ذلك، يشير تكرّر الاجتياحات لمنطقة محددة لعدة مرات، إلى ضحالة الإنجاز الميداني الذي يتحقّق في كل عملية، حيث تخرج الدبابات مثقلة بعمليات الاستهداف والاستنزاف، من دون أن تحقق هدف تقويض حركة «حماس»، لا على صعيد المقاومة ولا الحكم، ما يفرض عليها تكرار الجهد الميداني لعدّة مرات، على فترات زمنية ليست طويلة. وذلك ما حدث مراراً، في أحياء الزيتون، والدرج، والوحدة والرمال وشرق جباليا، وأخيراً، مجمع الشفاء.
على خط مواز، وزّع «الإعلام العسكري لكتائب القسام» مقطعاً مصوّراً، كشف فيه عن ماهية بندقية «الغول» التي استخدمتها في قنص الضابط في وحدة شلداغ يتهسار هوفمان، المسؤول عن عملية اقتحام مستشفى الشفاء في مطلع تشرين الثاني الماضي. وأكّدت الكتائب أنها كشفت هوية الضابط وتتبّعته في أكثر من موقع عملياتي في القطاع، حتى تمكّنت من قنصه وقتله. كذلك، نشر «الإعلام الحربي لسرايا القدس»، مقطعاً مصوّراً أظهر مقاومي الوحدة المضادة للدروع، وهم يطلقون صاروخاً موجّهاً من طراز «ملوتكا» على تجمع لجنود الاحتلال شرق المحافظة الوسطى. ووزّعت «كتائب شهداء الأقصى» بدورها مقطعاً مصوّراً يُظهر تمكّن مقاوميها من قصف تحشدات العدو في مدينة غزة بقذائف الهاون وصواريخ «107».