وكان تكليف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، عضو تنفيذية المنظّمة، محمد مصطفى، بتشكيل حكومة "التكنوقراط"، فجّر خلافاً حادّاً بين حركتَي "فتح" و"حماس"، ظهر عبر تراشق إعلامي قاسٍ في اليومَين الماضيَين، لم تشهده الساحة الفلسطينية منذ أشهر. وأعربت أربعة فصائل، هي: "حماس"، "الجهاد الإسلامي"، "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"المبادرة الوطنية"، في بيان مشترك، عن رفضها تكليف مصطفى تشكيل حكومة جديدة، مشدّدة على أن "الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لمواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع التي يشنّها الاحتلال ضدَّ شعبنا في قطاع غزة، والتصدّي لجرائم مستوطنيه في الضفة الغربية والقدس". وذكر البيان المشترك أن "اتّخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية فارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة من دون توافق وطني، هما تعزيزٌ لسياسة التفرّد، وتعميقٌ للانقسام، في لحظة تاريخيّة فارقة، أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة، وتشكيل قيادة وطنية موحّدة". وأضاف البيان أن "هذه الخطوات تدلّل على عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلّعاته"، متابعاً أنه من حقّ الشعب الفلسطيني "أن يتساءل عن جدوى استبدال حكومة بأخرى، ورئيس وزراء بآخر، من ذات البيئة السياسية والحزبية". كذلك، دعا البيان "كل القوى والفصائل الوطنية، وخصوصاً حركة فتح، إلى التحرّك الجادّ والفاعل، من أجل التوافق على إدارة هذه المرحلة التاريخية والمفصلية، بما يخدم قضيّتنا الوطنية، ويلبّي طموحات شعبنا في انتزاع حقوقه المشروعة، وتحرير أرضه ومقدّساته، وإقامة دولته المستقلّة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".
ثمّة مَن رأى أن اتهام «حماس» بالأجندة الخارجية، هو محض مفارقة سوداء
إلا أنه ما بدا لافتاً في بيان حركة "فتح"، تركيزه على "حماس" دوناً عن بقية الفصائل، إذ حمّلها مسؤولية إعادة احتلال القطاع، معتبراً أن "مَن تسبّب في وقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، لا يحقّ له إملاء الأولويات الوطنية"، وأن "المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هو قيادة حركة حماس، التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية". وأبدت "فتح" "استغرابها واستهجانها من حديث حماس عن التفرّد والانقسام"، متسائلةً: "هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية أو أي طرف وطني فلسطيني عندما اتّخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، التي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة 1948؟ وهل شاورت حماس القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن إسرائيل وتقدّم لها التنازلات تلو التنازلات". وأضاف أن "حماس لا هدف لها سوى أن تتلقّى قيادتها ضمانات لأمنها الشخصي، ومحاولة الاتفاق مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو مجدداً، للإبقاء على دورها الانقسامي في غزة والساحة الفلسطينية"، متابعاً أن رئيس الوزراء المكلّف، محمد مصطفى، "مسلّح بالأجندة الوطنية لا بأجندات زائفة لم تجلب إلى الشعب الفلسطيني إلا الويلات ولم تحقّق له إنجازاً واحداً". وتساءلت الحركة أخيراً: "هل تريد حماس أن نعيّن رئيس وزراء من إيران أو أن تعيّنه طهران لنا؟".
وتعقيباً على بيان "فتح"، تساءل البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "كيف يمكن فتح اتّهام حماس بالمسؤولية عن إعادة احتلال غزة؟ ألا تنظر إلى الضفة الغربية التي تحكمها والتي لا توجد فيها مقاومة تشبه التي في غزة، ويوجد فيها أجهزة أمنية وسلطة وتنسيق أمني، ومع ذلك، هناك انفلات لإرهاب المستوطنين من دون رادع، وجرائم قتل بدم بارد من قِبَل الاحتلال، وتدهور في الوضع الاقتصادي، وحصار خانق للمدن والقرى، وبطالة وفساد وتهجير أكثر من ثلاثة آلاف مواطن من مناطق سكنهم.". وقال آخرون: "هل وصْف فتح عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر بـ"المغامرة" ينطبق أيضاً على العمليات التي كانت تقوم بها في سنوات الثورة؟ وهل التسبّب في حصار بيروت وقصفها في عام 1982 مغامرة؟ وهل دعم الرئيس عرفات للانتفاضة الثانية رداً على اقتحام شارون المسجد الأقصى مغامرة أيضاً؟ وهل انتقاد حماس على عدم التشاور مع القيادة الفلسطينية قبل اتّخاذها قرار طوفان الأٌقصى، ينطبق عليه عدم تشاور فتح عندما وقّعت اتفاق أوسلو وتنازلت عن 78% من فلسطين؟". كذلك، ثمّة مَن رأى أن اتهام حماس بالأجندة الخارجية، هو محض مفارقة سوداء، خاصة أن تكليف محمد مصطفى بالحكومة جاء بطلب وضغط من قبل الأميركي والغربي والعربي، وهو ما يدفع إلى التساؤل: "هل هذا هو القرار الوطني المستقلّ؟".