يبدو أن المعركة التي تدور رُحاها في البحر الأحمر بين قوات صنعاء من جهة، والحلف الدولي الذي تقوده واشنطن من جهة أخرى، لم تحقّق نتائجها المرجوّة بالنسبة إلى الأخيرة، سواء في ما يتعلق بفكّ الحصار عن إسرائيل، أو الحفاظ على قوة الردع لدى الولايات المتحدة. لكنها في المقابل، أثّرت أيضاً في الواقع اليمني، سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى السياسي. فبعد معركة «طوفان الأقصى»، والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، قالت القيادة السياسية والثورية في صنعاء، إنها ستنفّذ عمليات ضد إسرائيل. وقد كانت تلك التصريحات محل تهكّم من قبل قيادات سياسية وشخصيات إعلامية موالية للسعودية والإمارات، قلّلت ليس فقط من القدرات العسكرية، ولكن من حجم القرار الذي سيؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة بشكل مباشر. لكن مع تنفيذ صنعاء أولى العمليات ضد الملاحة الإسرائيلية، انقلب المزاج الشعبي العام رأساً على عقب، في عموم مناطق اليمن. ثم بعد العدوان الأميركي - البريطاني، بدا واضحاً حجم الاصطفاف الوطني ضده، إذا ما استُثني الموقف الرسمي لحكومة «المجلس الرئاسي»، التي وصفت العمليات بأنها «استغلال من قبل الحوثيين للتعاطف الشعبي مع فلسطين، من أجل القيام بأعمال دعائية مضلّلة».
وبعيداً عن ذلك الموقف الرسمي، الذي يُعدّ صدى للرواية الأميركية فقط، جاء سيل من المواقف المرحبة بالفعل العسكري الذي أقدمت عليه صنعاء، من قبل مكوّنات وقيادات سياسية وشخصيات إعلامية ونُخب متنوّعة، جميعها تعتبر أن عمليات "أنصار الله" تمثّل اليمن، وتستنكر العدوان الأميركي - البريطاني على البلاد. وبحسب البرلماني والقيادي في حزب «الإصلاح»، والناطق باسم «هيئة علماء اليمن»، محمد الحزمي، فإن «هجمات أنصار الله عمل بطولي ومشرّف». أما نجل رئيس الهيئة، عبد المجيد الزنداني، والقيادي أيضاً في حزب «الإصلاح»، محمد عبد المجيد، فدعا إلى اصطفاف وطني ضد العدوان الأميركي - البريطاني على اليمن، ساخراً من الروايات التي تقلّل من أهمية هجمات «أنصار الله» على الملاحة الإسرائيلية. وشبّه العدوان على بلده بالعدوان على غزة.
المبادرات المحلية حول فتح الطرقات بين المحافظات أو الدعوات لتبادل الأسرى، من النتائج غير المباشرة لموقف صنعاء مع فلسطين


وبغض النظر عن الموقف الرسمي لحزب «الإصلاح»، الذي يُتقن تبادل الأدوار ويعرف في الوقت نفسه خطورة الحياد في التعاطي مع القضية الفلسطينية، فإن قيادات وقواعد الحزب عبّرت عن موقفها الحقيقي المساند لصنعاء. إذ ازدحمت منصّات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن البرامج السياسية في القنوات الفضائية، إضافة إلى الكتابات في الصحف، بالمواقف المؤيدة للخطوات التي اتخذتها "أنصار الله" دفاعاً عن فلسطين. وبرأي متابعين، فإن نتائج معركة البحر الأحمر، وما تمخّض عنها من عدوان أميركي - بريطاني، تصبّ في مصلحة صنعاء، التي استطاعت خلال أسابيع قليلة فقط، أن تهدم كل الحرب الدعائية ضدها، والتي كان يبثّها التحالف السعودي - الإماراتي بدعم من الولايات المتحدة خلال العقد الأخير. وليس هذا فحسب، بل إن القوات العسكرية التي يدعمها "التحالف" ويشحذ هممها بخطاب طائفي أو مناطقي، لا تجد في مقدورها خوض معركة في مواجهة "أنصار الله" تحت راية فك الحصار عن إسرائيل.
هكذا يبدو أن موقف صنعاء المناصر لغزة، هزّ معسكر التحالف السعودي - الإماراتي المتداعي أصلاً، الأمر الذي يحقّق للأولى انتصارات سياسية بأقل التكاليف، وخصوصاً أن المناطق الواقعة تحت نفوذ "التحالف" على وشك الانفجار الشعبي، على وقع الفشل في تطبيع الحياة وتوفير الخدمات وبناء المؤسسات وتحقيق الأمن في تلك المناطق، الأمر الذي سيقود في نهاية المطاف إما إلى تغيير المشهد فيها، أو فتح قنوات مع "أنصار الله". ولعل المبادرات المحلية، سواء في ما يتعلق بفتح الطرقات بين المحافظات أو الدعوات إلى تبادل الأسرى، تعدّ تطوّراً لافتاً، ومن النتائج غير المباشرة التي تمخّضت عن موقف الحركة إلى جانب فلسطين، وخصوصاً أن التحالف السعودي - الإماراتي كان حتى قبيل معركة البحر الأحمر، يرفض البت في تلك القضايا من دون مشورته.