تستعجل الولايات المتحدة تحقيق أهداف، ولو معنوية، في معركتها ضد اليمن، غير أن صنعاء تبدو الرابحة سلفاً في مواجهة الحلف الأميركي الجديد، حيث تقطف ثمار موقفها الجريء إلى جانب فلسطين، على أكثر من صعيد. وبعد أسابيع من استهدافهما مواقع غير مأهولة، لا عسكرياً ولا مدنياً، بدأت واشنطن ولندن فصلاً جديداً من عدوانهما، مستهدفتَين هذه المرة مواقع حيوية وسط مناطق مكتظة بالسكّان، الأمر الذي يُعدّ تحوّلاً في مسار الحرب، ويؤسس لمواجهة أكثر شمولية، خصوصاً أن صنعاء كانت قد حدّدت البحر فقط، كميدان للمواجهة مع واشنطن ولندن وتل أبيب.ورغم أن بيان التحالف المتعدد الأطراف، الذي ضم ثماني دول (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، والبحرين، والدنمارك، وهولند، ونيوزيلندا) أكد أن «الضربات منفصلة ومتميّزة عن إجراءات حرّية الملاحة التي يتم تنفيذها في إطار تحالف حارس الازدهار»، إلا أن العدوان الأخير، بالنسبة إلى حركة «أنصار الله»، نقَل المعركة فعلياً من الدفاع عن حركة الملاحة للدول التي منعتها الحركة من العبور عبر باب المندب، إلى الهجوم الذي يستهدف المدن، بغض النظر عما إن كانت هناك أهداف فعلية أم لا، على غرار العدوان الأول الذي قادته السعودية ضد اليمن عام 2015.
السؤال الآن هو ماذا يمكن أن يحقق الحلف الأميركي ضد اليمن؟ وهل فعلاً الهدف إضعاف قوات صنعاء، أم أن الإدارة الأميركية مضطرّة إلى الحفاظ على هيبة الردع، والاستثمار في هذا الفعل العسكري، خصوصاً قبيل الانتخابات الرئاسية؟ وهل تحمل الهجمات رسائل طمأنة سواء للرأي العام الأميركي الضاغط على الرئيس جو بايدن، أو خدمة معنوية لإسرائيل بعد تخوّفها من اتساع رقعة المواجهة ضدها إثر معركة «طوفان الأقصى»؟
التعاطي الأميركي الراهن مع صنعاء، جعل المواجهة مباشرة من غير أدوات محلية ولا إقليمية


الواقع أن واشنطن، رغم الحشد الدولي لمواجهة صنعاء، تركت ثغرات واسعة، يمكن للأخيرة الاستفادة منها وتحقيق إنجازات على مستويات شتى، خصوصاً أن واشنطن قفزت على الواقع القائم، والمتمثّل في التحالف السعودي - الإماراتي، إضافة إلى «الحكومة الشرعية» المعترف بها دولياً، أي إنها لم تكلّف نفسها عناء انتزاع «شرعية مغلّفة» لعدوانها على اليمن، عبر المرور عبر التحالف المذكور أو عبر «المجلس الرئاسي» في عدن، على غرار الحرب التي تخوضها ضد «الإرهاب» بالاتفاق والتنسيق مع تلك الأطراف. وعليه، فالتعاطي الأميركي الراهن مع صنعاء، جعل المواجهة مباشرة من غير أدوات محلية ولا إقليمية، أي بين الولايات المتحدة واليمن، وهذا ما يفسّر تعاظم الصوت الرافض للعدوان الأميركي، من داخل المربع الموالي للسعودية والإمارات، على اعتبار أنها حرب تستهدف السيادة اليمنية.
ولا يبدو الإخفاق الأميركي متوقّفاً على الجانبين العسكري والسياسي، بل إن الولايات المتحدة، وعلى عكس حروبها التي خاضتها خلال العقود الماضية، لم تستطع أن تختلق «أهدافاً نبيلة» ولا شعارات مخادعة ومقنّعة، وبكل وضوح قالت إنها تهاجم اليمن دفاعاً عن إسرائيل. وأسدى هذا الخطاب لحركة «أنصار الله»، ما كانت تبحث عنه منذ عشرين عاماً، عندما رفعت شعار المواجهة مع أميركا وإسرائيل. كما أن واشنطن، بذلك الخطاب، قلبت ظهر المجن للتحالف السعودي - الإماراتي، وللحكومة الموالية له في اليمن. إذ إنها لم تشن الحرب ضد «أنصار الله» ولم تضع الحركة في قوائم «الإرهاب»، خدمة للرياض أو أبو ظبي أو الحلفاء المحليين، ولكن فقط من أجل «سواد عيون» تل أبيب.
هكذا يبدو أن صنعاء انتصرت، حتى لو لم تُثخِن في مواجهة البوارج والبواخر الأميركية والبريطانية والإسرائيلية، ولم تفاجئ تلك الدول بالقدرات الوازنة لديها. الانتصار بالنسبة إليها، هو أن العدوان المتعدّد الأطراف بقيادة واشنطن، أتاح ردم الهوّة بينها وبين قوى فاعلة في الساحة اليمنية، ومنَح القيادة السياسية والثورية في صنعاء، شعبية طاغية ليس فقط في المحافظات الخاضعة لسلطة «المجلس السياسي الأعلى»، ولكن أيضاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي - الإماراتي.