رغم الادّعاءات والشعارات، والتسريبات المقصودة في وسائل الإعلام، والحديث المتكرّر عن موقف الولايات المتحدة، وحرص إدارتها الديموقراطية على تعزيز «السلام» في المنطقة، ومنع توسّع الحرب، إلا أن الأداء الأميركي بكلّيته، ليس سوى بيعٍ لصورة إعلانية تختلف تماماً عن جوهر الموقف من العدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، حيث تعمل واشنطن - بجدّ - على منع أي محاولة لوقف الحرب. وجديد هذا السياق، مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة لينافس مشروع القرار الجزائري المطروح للتصويت أمام «مجلس الأمن الدولي»، والذي يدعو إلى «وقف مؤقت لإطلاق النار في الحرب في غزة، ويعرب عن معارضته للعملية الإسرائيلية في رفح التي يمكن أن تؤدّي في الظروف الحالية إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وتشكّل خطراً على السلام والأمن الإقليميين». كما يندّد مشروع القرار بالدعوات التي أطلقها وزراء إسرائيليون للمستوطنين للانتقال إلى غزة، و«يرفض أي محاولة إحداث تغيير ديموغرافي في القطاع أو في أراضيه على نحو ينتهك القانون الدولي». كذلك، يرفض «أي تحرك من جانب أي طرف من شأنه أن يؤدّي إلى تقليص مساحة أراضي غزة بصورة مؤقتة أو دائمة، بما يشمل إنشاء ما يسمى بالمناطق العازلة بشكل رسمي أو غير رسمي، فضلاً عن التدمير المنهجي والواسع النطاق للبنية التحتية المدنية».ويأتي هذا المشروع، الذي لا يغفل بالطبع التنديد بعملية «حماس» في 7 تشرين الأول، رداً على آخر تقدّمت به الجزائر يدعو إلى وقف فوري وكامل لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ومن المنتظر أن يصوّت عليه المجلس اليوم. لكن سفيرة الولايات المتحدة لدى «الأمم المتحدة»، ليندا توماس غرينفيلد، سرعان ما أعلنت أن بلادها «ستستخدم حقّ النقض (الفيتو) ضدّ مشروع القرار الجزائري»، قبل أن تطرح واشنطن نسختها من القرار، لتكون البديلة من المشروع الجزائري، أو لتطيحه بنتيجة تعادل صفرية. ودأبت الولايات المتحدة على حماية حليفتها إسرائيل من أي تحرّك يستهدفها في الأمم المتحدة، وهي استخدمت حق النقضّ بالفعل مرتين ضدّ قرارَين في المجلس منذ بداية العدوان على غزة. ويعني ما تقدّم أن واشنطن لا تعارض الحرب بذاتها، بل ثمة مشكلة لديها مع طريقة إدارتها إسرائيلياً، ومن ثم مع سبل تسييلها ونتائجها في سياق المصالح الأميركية الاستراتيجية في المنطقة. وهذا كله لا ينبع سوى من حرص الولايات المتحدة على إسرائيل، وخوفها على الكيان من قادته الحاليين، وفي مقدّمتهم بنيامين نتنياهو، الذي يستند إلى حلفائه في اليمين المتطرّف في معارضة الرؤية الأميركية للحرب ومسارها ونتائجها.
الحيّة: المقاومة لا تزال تلاحق الاحتلال بعد مضيّ نحو 5 أشهر من الحرب


وعلى الرغم من شبه الإجماع المتحقّق في الكيان على رفض رؤية الحلّ الأميركية، والتي ترتكز على الاعتراف بدولة فلسطينية في المرحلة الأولى، على أن يتبع ذلك مسار من التفاوض الإسرائيلي - الفلسطيني، مترافقاً مع تطبيع «تاريخي» بين إسرائيل والسعودية، في إنجاز يحتاج إليه الرئيس الأميركي، جو بايدن، عشية الانتخابات الرئاسية، إلا أن ثمّة خلافات بين القادة الإسرائيليين حول كل شيء آخر. وفي هذا السياق، حذّر عضو «مجلس الحرب»، غادي آيزنكوت، أعضاء المجلس من أن «إسرائيل تواجه صعوبات متزايدة في تحقيق أهداف الحرب، بسبب الامتناع عن اتخاذ قرارات كبيرة»، مضيفاً أن «الحرب تُدار وفق إنجازات تكتيكية، من دون مسارات مهمّة لتحقيق أهداف استراتيجية». وشدد آيزنكوت على وجوب «التوصّل إلى اتفاق لصفقة تبادل قبل شهر رمضان». كما كان زميله في «مجلس الحرب»، بني غانتس، قد هدّد بأن على «العالم أن يعرف، وعلى قادة حماس أن يعرفوا، أنه إذا لم يعد الرهائن إلى ديارهم بحلول شهر رمضان، فإن القتال سيستمرّ في كل مكان، بما في ذلك في منطقة رفح. سنفعل ذلك بطريقة منسّقة لتسهيل إجلاء المدنيين، بالحوار مع الشركاء الأميركيين والمصريين»، مضيفاً أنه «لدى حماس الخيار: يمكنهم الاستسلام وتحرير الرهائن وسيتمكّن المدنيون في غزة من الاحتفال برمضان». لكن سرعان ما ردّ نتنياهو بالتأكيد أن عملية رفح ستتمّ بكل الأحوال، حتى لو سبقتها صفقة تبادل وتهدئة مؤقتة.
وفي السياق نفسه، نقلت وكالة «رويترز» عن أربعة من المسؤولين المطّلعين على الخطط الإسرائيلية، قولهم إن «إسرائيل تتوقّع مواصلة العمليات العسكرية الشاملة في غزة لمدة تتراوح من 6 إلى 8 أسابيع أخرى، إذ تستعدّ لشن غزو بري لمدينة رفح». وأوضح المسؤولون أن «القادة العسكريين في إسرائيل يعتقدون أن بإمكانهم إلحاق ضرر كبير بما تبقّى من قدرات حماس خلال هذه الفترة، ما يمهّد الطريق للتحوّل إلى مرحلة أقلّ كثافة من الضربات الجوية المستهدفة وعمليات القوات الخاصة». لكنّ، لناحوم برنياع، الكاتب والمحلّل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رأياً آخر، إذ قال، في مقالة له، إن «إسرائيل جمّدت في هذه الأثناء خطة احتلال رفح، وذلك لأن عملية عسكرية كهذه مشروطة بنقل حوالي 1.3 مليون نازح في المدينة إلى شمالها، وهذا يتطلّب جهوداً ديبلوماسية ولوجستية طويلة ومعقدة». ووفقاً لبرنياع، فإن التقارير حول المفاوضات مع «حماس» هي «أكاذيب، يضلّل مكتب رئيس الحكومة من خلالها الجمهور»، عازياً منع نتنياهو الوفد المفاوض من العودة إلى القاهرة، إلى اعتقاده بأن «تشديداً تكتيكياً سيليّن مواقف حماس أو سيشدّدها». وأضاف أن نتنياهو «هلع من تقدّم المفاوضات، وعمل بشكل استراتيجي على إفشالها»، وهو «قد نجح، فلا توجد مفاوضات حالياً. ومحاولة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، إخراج المفاوضات من السبات، فشلت». واعتبر برنياع أن الوسطاء الأميركيين والقطريين والمصريين «يقدّمون مقترحات ويهدرون طاقات كثيرة»، لكن «حماس لم تتجاوب ولم تهلع ولم تستسلم، كما أن المستوى السياسي الإسرائيلي لم يستجب للوسطاء».
في المقابل، أكّد نائب رئيس حركة «حماس» في غزة، خليل الحية، في حديث تلفزيوني أمس، أن «المقاومة لا تزال تلاحق الاحتلال بعد مضيّ نحو 5 أشهر من الحرب»، مضيفاً أنه «لا يمكن التوصّل إلى اتفاق، والاحتلال يرفض عودة النازحين والانسحاب». وأشار الحية إلى أن «الورقة التي وصلت من الاحتلال لا ضمانات فيها لوقف العدوان والانسحاب من القطاع». وأكد أن «حماس» مضت في المفاوضات «عندما تلقّينا تطمينات من أطراف عدة، بأنها ستؤدي إلى وقف للعدوان»، لكن «شهدنا في الأيام الأخيرة تراجعاً عن التطمينات هذه»، و«الاحتلال هو من صاغ اتفاق باريس بما يخدم مآربه، ثم تراجع عن تفاهمات جوهرية، من بينها وقف العدوان».