حتى ما قبل تطورات البحر الأحمر، لم يكن اسم أحمد عوض بن مبارك، مطروحاً لخلافة معين عبد الملك، في رئاسة الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي في اليمن. وكان الأخير يجري نقاشات حول أسماء توافقية بين الرياض وأبو ظبي، وبطبيعة الحال أيضاً بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" و"مجلس القيادة الرئاسي"، غير أن الولايات المتحدة قطعت الطريق على تلك المداولات، لتدفع بالرجل المحسوب عليها، إلى رئاسة الحكومة. ولم ينتظر ابن مبارك طويلاً، ليكشف المهمة المكلّف بها أميركياً، إذ بكل وضوح، في أول تصريح له، أعلن أن "حكومته ستعمل جاهدة من أجل التصدي لتحديات المرحلة الراهنة، بروح الشراكة الإقليمية والدولية"، خلافاً لسلفه عبد الملك، الذي أعلن، عند تعيينه قبل سنوات، أن حكومته لن تتعاطى في الشأن السياسي، وهي مخوّلة فقط بالملف الاقتصادي. لكنّ الظروف الحالية التي دفعت بابن مبارك إلى تولي رئاسة الحكومة، مختلفة كليّاً عن ما كانت عليه في السابق، حيث لم تعد الرياض اللاعب الأوحد في اليمن، وولّى زمن المناصفة بينها وبين أبو ظبي في المناصب الحكومية العليا والسيادية، وباتت لواشنطن اليد الطولى في وجه السلطات الحاكمة في مناطق سيطرتهما، منذ ما بعد معركة "طوفان الأقصى"، وما تمخّض عنها من تطورات في البحر الأحمر.وليست هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الدور المباشر للاستخبارات الأميركية في اختيار الشخصيات في أهم المفاصل السيادية؛ إذ بانت بصمة واشنطن أيضاً في دمج الأجهزة الأمنية وهيكلتها قبل أسابيع، والتي ضربت عرض الحائط بالترشيحات السعودية والإماراتية، تمهيداً للتوليفة الحالية، والتي وضعت رئاسة "المجلس الرئاسي" ورئاسة الحكومة تحت نفوذ واشنطن بشكل مباشر. ويبدو أن الأخيرة تخطو خطوات أمنية وسياسية، في موازاة التحرك العسكري في البحر الأحمر، والعدوان المباشر على اليمن، تهدف من خلالها إلى التحضير لمجابهة صنعاء حتى ما بعد انتهاء حرب غزة ووقف التوتر في البحر الأحمر.
بات معظم المواطنين يرون في القيادات المحلية مجرّد موظفين لتنفيذ القرارات التي تُطبخ في عواصم الخارج


وعلى رغم أن معين وابن مبارك كانا شخصيتين مغمورتين حتى "ثورة فبراير" التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، إلا أن السفارة الأميركية صنعت نجوماً شبابية لتدفع بهم إلى مناصب قيادية حسّاسة. والرجلان من أبرز وجوه تلك المرحلة، التي يُطلق عليها "عيال السفارات"، لكنّ عبد الملك قدّم نفسه خلال توليه رئاسة الحكومة في السنوات الخمس الماضية، كرجل تكنوقراط، أو رجل اقتصاد، أقرب إلى جناح الحمائم في تركيبة الشرعية. أما ابن مبارك، فيقدّم نفسه كواحد من أبرز الوجوه السياسية الأكثر عداءً لسلطة صنعاء، ولا سيما أنه تعرّض للاعتقال بعد "ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر" في صنعاء، من قبل "أنصار الله"، على خلفية فضائح التخابر مع الأميركيين، وتنفيذ أجندات واشنطن حرفياً، واستغلال موقعه بصفته مديراً لمكتب الرئيس عبد ربه منصور هادي، وأميناً عاماً لمؤتمر الحوار. وعليه، لن يفوّت الرجل أي فرصة لتنفيذ الرؤية الأميركية في اليمن بحذافيرها، سواء منها السياسية أو الأمنية أو العسكرية.
وعلى وقع تعيين ابن مبارك، تبدو القوى المحلية الفاعلة في صدمة، خصوصاً أن الرجل دلف إلى رئاسة الحكومة من خارج الترشيحات المطروحة على طاولة "المجلس الرئاسي". ولعل "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المسيطر فعلياً على عدن، مقر الرئاسة والحكومة، أحد أكبر المتضرّرين من القرار، إذ إن "الانتقالي" كان حتى وقت قريب يفاوض على أسماء لتولي قيادة الحكومة من عناصره، أو القبول بشخصية ليست من خارج بيئته السياسية والمناطقية. وبرأي محللين، فإن شخصية ابن مبارك قد تدفع إلى التوتر في عدن مجدداً، خصوصاً أن الرجل واحد من أبرز الوجوه السياسية التي وقفت ضد "الانتقالي" في خصومته مع الفريق الذي كان يقود "الشرعية" برئاسة عبد ربه منصور هادي. في موازاة ذلك، لا يبدو الشارع في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة ابن مبارك، متفائلاً، حيث بات معظم المواطنين يرون في القيادات المحلية مجرّد موظفين لتنفيذ القرارات التي تُطبخ في عواصم الخارج. ليس هذا فحسب، بل إن متابعين يرون أن التغيير الحقيقي يتمثّل في تغيير السياسات المرسومة من قبل الخارج، وخصوصاً "الرباعية". أما تغيير الأشخاص فلم يزد الأوضاع إلا تعقيداً منذ أول رئيس حكومة، أحمد بن دغر، وحتى أحمد بن مبارك.