غزة | لم يتبقَ في يد جيش الاحتلال سلاح، بعد أكثر من 75 يوماً من الحرب، سوى تدمير المزيد من الكتلة العمرانية ومضاعفة أعداد الشهداء والجرحى. خلا ذلك، تسبّبت مدّة الحرب الطويلة في زيادة تأقلم المقاومة وفهمها للسلوك العسكري الإسرائيلي، حتى بات يمكن القول إن المواطنين العاديين صاروا يمتلكون إحاطة مسبقة بالخطوة التالية لجيش العدو. ولعلّ أبرز ما كان ملاحظاً، في الأسبوع الماضي، هو تمكُّن كلّ من «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، من إعادة شحن الخطوط الدفاعية بالرجال والعتاد، وتطوير التكتيكات العملانيّة التي أسهمت في زيادة نوعية العمل الدفاعي والمبادر، على نحو أسهم في زيادة الخسائر البشرية في صفوف جيش العدو من جهة، وقلّص الخسائر في الكادر البشري في صفوف المقاومة، من جهة ثانية.ومن المعروف ضمناً، أنّ زمراً قتالية لا يتجاوز تعدادها أصابع اليد الواحدة، هي مَن تتولّى مهمّة التصدّي في كل مربع سكني. وحين تستنفد تلك الخلايا مهامّها، تُستبدل بزمر جديدة، علماً أن مجموع الخلايا الفاعلة حتى اللحظة، لا يزيد على 20% من مجموع الكتلة العددية للمقاومة، فيما يبقى عشرات آلاف المقاومين على أهبّة الاستعداد في انتظار التكليف. طابع المناوبة هذا، منح المقاومة المساحة لاستدامة القتال، حتى في المناطق والأحياء التي بدأت فيها العملية البرية مبكراً. ففي بيت لاهيا وبيت حانون مثلاً، حيث بدأ التوغّل البرّي في الـ26 من تشرين الأول الماضي، أعلنت «كتائب القسام»، يوم الجمعة الماضي، أن مقاوميها نفّذوا عمليات التحام مباشر مع القوات الراجلة وحقّقوا فيها إصابات مباشرة، إذ تستغلّ المقاومة تقليص العدو قوّته البشرية والآلية في تلك المناطق التي يفترض أن العمل فيها انتهى، وتبدأ في إعادة ترميم خلاياها عبر خطوط من الأنفاق تحت الأرض، وحتى مسارات من فوقها.
العبوات الناسفة متوافرة على نحو غزير، ولا سيّما أن خطوط إنتاجها لم تتوقّف منذ أكثر من 15 عاماً


ماذا عن السلاح؟
لعلّ أحد أكثر الأسئلة التي تشغل الأهالي، وتقلق حاضنة المقاومة، هو إمكانية نفاد الصواريخ والقذائف المضادة للدروع، والتي هي عماد العمل الميداني. غير أن المفاجئ في هذا الشأن، هو أن «القسام» مثلاً، كانت قد نجحت في صناعة قذيفة «الياسين 105» التي أعلن عن دخولها الخدمة في معركة «طوفان الأقصى» الجارية حالياً، في عام 2017. ومنذ ذلك الحين، بقي هذا السلاح منجزاً سرّياً لم يَظهر في العروض العسكرية ولا المناورات التي تغطّيها وسائل الإعلام. ومعنى ما تقدّم، أن وحدات وورش التصنيع العسكري عملت طوال خمس سنوات في إنتاج هذه المقذوفات على نحو وافر، إلى جانب ما يصل إلى القطاع من أسلحة تقليدية موازية من مثل قذائف «آر بي جي» و«التاندوم B29». أما عن العبوات الناسفة، فتلك متوافرة على نحو غزير، ولا سيّما أن خطوط إنتاجها لم تتوقّف منذ أكثر من 15 عاماً. أيضاً، كشفت أوساط مقرّبة من المقاومة، لـ«الأخبار»، أن الفصائل توصّلت، قبل أكثر من سبع سنوات، إلى تقنية صناعة رصاص السلاح الفردي «كلاشنكوف» محلّياً، على رغم أن عملية إنتاجه تمرّ بنحو 60 عملية معقّدة، علماً أن المنتَج المحلّي أثبت نجاعة توازي الرصاص المستورد. وآخر الإحصائيات التي كشفها، لـ«الأخبار»، مصدر ميداني في «سرايا القدس»، كنّا قد التقينا به أثناء إعداد ملفّ عقب معركة «سيف القدس» في عام 2021، أن الحدّ الأدنى من مخزون قذائف الهاون غير المذخّر في الميدان، لا بد أن لا يقلّ في حدوده الدنيا عن 15 ألف قذيفة. وبطبيعة الحال، يتضاعف العدد المذكور مرات عدّة في حالة «كتائب القسام» بالنظر إلى حجم الإمكانات والموارد.
في خلاصة الأمر، تعيش المقاومة، في هذه المرحلة من الحرب، أوضاعاً ميدانية مستقرّة، إذ درس المقاومون عناصر الميدان، وتأقلموا مع ذروة الفعل الناري لوسائط المدفعية والطيران الحربي، بل وفهموا على نحو عميق سيكولوجية جنود العدو وطريقة عملهم. وكل ذلك، يقود إلى ثبات وعمل مستمرّ يمكن أن تلاحَظ نتائجه في أداء وفد المقاومة المفاوض خلف الكواليس، حيث الثوابت التي تحدّد مسارات إطلاق سراح الجنود الأسرى، والتمسّك بأنه لا تفاوض سوى بوقف كامل لإطلاق النار، وحتى الهدن المؤقتة التي كانت حاجة ملحّة في وقف سابق لإعادة تصويب مسار الميدان، لم تَعُد في هذه المرحلة حاجة يمكن أن تقدَّم في سبيلها التنازلات.