تمرّ السعودية في مرحلة اختبار صعب بين خيارين كلاهما مرّ. فإما أن تخرج من المستنقع اليمني وفق خارطة طريق متفق عليها مع صنعاء، وإما أن تخضع للإملاءات الأميركية وتنخرط في التحالف البحري الدولي، وهذا يعني بقاءها عرضة للابتزاز. المؤشرات تفيد بأن المملكة، رغم تعرّضها لضغوط أميركية، ماضية في مسار السلام بالاستفادة من التجارب السابقة. وهي تعمل على صدّ دعاة الحرب ووكلاء المشاريع الخارجية التي تسعى لإبقاء المنطقة مشتعلة، وتسعى حتى هذه اللحظة للإسراع في إنجاز ملفات الاتفاق للتوقيع عليه، تجنباً للمزيد من عرقلة الإماراتيين أو الوكلاء المحليين.وأفاد مصدران مطّلعان في صنعاء والرياض «الأخبار» بأن اتفاق السلام جاهز للتوقيع وأن الطرفين وضعا ملاحظاتهما الأخيرة عليه. وقد سُلِّمت النسخة المنقّحة إلى مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، لأن التوقيع سيكون برعاية الأمم المتحدة. وقالت المصادر إن الأخير شرع بالفعل في إجراءات التنسيق للترتيبات والمراسم البرتوكولية الخاصة بتوقيع اتفاق خارطة السلام، بما فيها تحديد مكان وزمان التوقيع، في أقرب وقت ممكن، وإن كان الاتفاق في سباق مع تصاعد التوتر في البحر الأحمر وباب المندب.
وقالت مصادر صنعاء إن خيارات عدة مطروحة لمكان التوقيع، والكرة في ملعب الرياض التي تتعرّض لضغوط أميركية لتأخير التوقيع والدخول في تحالف حربي ضد اليمن في البحر الأحمر. على أن المملكة لا تزال تتحايل على تلك الضغوط حتى اللحظة. ومن المفترض، في حال صمدت أمامها، أن يُوقّع الاتفاق قبل نهاية السنة.
لكنّ مصادر دبلوماسية قالت إن «ترتيبات التوقيع على اتفاق السلام في اليمن تأجّلت بشكل مفاجئ بعد أن تم تحديدها الأسبوع الجاري، بضغوط أميركية على المبعوث الأممي». وأشارت إلى أن «هناك تأييداً روسياً وسعودياً وعمانياً لتوقيع الاتفاق بعد أن سلّمت الأمم المتحدة أطراف الصراع اليمنية نسخة من صيغة الاتفاق الذي سيجري التوقيع عليه في مسقط، إلا أن واشنطن تعمل على مقايضة تعديل موقفها بوقف صنعاء هجماتها على إسرائيل».
وتفيد مصادر الطرفين بأن الاتفاق مقسّم إلى ثلاث مراحل ويستجيب في مرحلته الأولى لمطلب صنعاء القديم بخصوص الملف الإنساني، وينهي الحصار المفروض على البلد، ويلحظ أيضاً آلية توافقية ترضي الطرفين بشأن تسليم رواتب موظفي الدولة في عموم المحافظات اليمنية، وكذلك تصدير النفط المتوقف حالياً بقرار من حكومة صنعاء.
جماعة الإمارات في الجنوب تحاول تخريب مساعي الرياض لإنجاز التسوية مع صنعاء


وترى المملكة أن الوقت الحالي مثالي لها للانتهاء من عبء الحرب لأن أنظار العالم بأكمله منصرفة إلى الحرب على غزة. على أن الضغوط لتأجيل الاتفاق ليست مقتصرة على واشنطن، إذ ثمة أطراف يمنية قريبة من الإمارات تسعى لعرقلته. وهذا ما أكّده مساعد رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية، عبدالله آل هتيلة، القريب من دوائر القرار، عبر حسابه في منصة «إكس» حينما كتب أن «الطرف اليمني الذي سيتعاطى بسلبية مع جهود إحلال السلام هو من سيدفع الثمن غالياً وسيكون خارج المعادلة».
كما تخشى المملكة من أن دخولها إلى جانب الأميركيين في التحالف الحربي، سيؤدي بالضرورة إلى العودة إلى مربع الحرب، مع ما يعنيه ذلك من استهداف لمنشآتها الحيوية والنفطية، وهي تعلم علم اليقين أن ليس لدخولها التحالف البحري أي قيمة مضافة يمكن أن تغيّر موازين القوى أو تؤثّر في رسم جديد للخارطة السياسية في المنطقة يكون لها فيه حظ أوفر، فضلاً عن أن حلف واشنطن سيزيد من تعقيد الموقف في البحر الأحمر ويمكن أن يعرّض موانئها، ولا سيما ميناء جدة، للاستهداف.
ويبدو أن الثقة السعودية متزعزعة بالأميركيين الذين يحشدون حالياً دول العالم لدعم إسرائيل في البحر الأحمر، وفي أنها ستُترك وحيدة في نهاية الحرب على غزة من دون النظر إلى مصالحها.
وخلافاً للتغطية الإعلامية السعودية المنحازة بالمطلق إلى السردية الأميركية حول البحر الأحمر وباب المندب، يظهر أن الموقف السعودي من الأحداث الجارية من استهداف للسفن الإسرائيلية، لا يجاري الموقف الأميركي. ففي الوقت الذي كان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، يزور الرياض، علّق وزير خارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحافي للجنة الوزارية العربية المشتركة، ووزير الخارجية النرويجي في أوسلو، على هجمات «أنصار الله» في البحر الأحمر بالقول إن المنطقة لا تحتاج إلى مزيد من التصعيد. وفي موقف آخر، ذكر الوزير السعودي أن بلاده تمضي مع اليمن في مسار السلام. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدرين مطّلعين أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على هجمات «أنصار الله».
من الواضح أن الخلاف الأميركي - السعودي حول استهداف اليمن، هو ليس على أصل العدوان، فكلا الطرفين متفقان على إعادة اليمن إلى عهود الوصاية وإلغاء دوره ومنعه من توظيف موقعه. لكنّ الخلاف يدور حول توقيت الخروج من الهدنة والعودة إلى الحرب. أما التردّد السعودي في الدخول في حلف عسكري سببه أن الرياض لطالما طالبت أميركا بالتدخل المباشر في الحرب وكانت واشنطن ترفض، بل كانت أيضاً في كثير من الأحيان تستخدم الحاجة السعودية للابتزاز السياسي والمالي. إضافة إلى أن السعودية لا تريد أن تظهر أمام الرأي العام بأنها تنضم إلى حلف هدفه دعم إسرائيل.