وبما أن الدخول اليمني نصرة للشعب الفلسطيني أصبح واقعاً لا مفرّ منه، فإن الولايات المتحدة تعمل حالياً على ثني اليمن عن توسعة ردوده في البحر الأحمر وباب المندب. والواقع أن التهديد بتوسعة المعركة في هذَين الموقعَين الإستراتيجيَّيْن، لم يكن ليُطلَق من قِبل صنعاء لولا وثوقها بالقدرة الكاملة على تنفيذه، وهي قدرة تعرف واشنطن وتل أبيب أنها تطوّرت بحيث صارت تستطيع اعتراض السفن العسكرية وغيرها. ورغم التمويه والتخفّي واستخدام أعلام دول أخرى غير العلم الإسرائيلي، فإن القوات المسلحة اليمنية تظلّ قادرة على استهداف الدول التي تساعد السفن الإسرائيلية في التخفّي، ومن بينها مثلاً الإمارات التي اعترف المقدّم في قواتها، أحمد البلوشي، قبل أيام، بوجود قوات وقواعد إسرائيلية في جزيرتَي سقطرى في بحر العرب وميون في البحر الأحمر. وتعرف صنعاء بوسائل رصدها المختلفة، والتي تستخدم فيها تقنيات عالية الدقة إلى جانب تبادُلها المعلومات مع مكوّنات محور المقاومة، حجم قدرات التحالف الذي تقوده واشنطن في البحر الأحمر، وهو ما عبّر عنه الحوثي بالقول إن «عيوننا مفتوحة من أجل الرصد الدائم والبحث عن أيّ سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، وباب المندب تحديداً، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية».
أجرى المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، والسفير الأميركي، ستيفن فاجن، محادثات في الرياض مع رئيس «مجلس القيادة الرئاسي»، رشاد العليمي
في المقابل، تحاول القوى اليمنية الحليفة للسعودية والإمارات التقليل من أهمية مشاركة «أنصار الله» في معركة غزة، فيما تبذل وسائل الإعلام الخليجية، وخصوصاً السعودية والإماراتية، جهوداً كبيرة لتخويف اليمنيين من التداعيات الاقتصادية والمالية لهذه المشاركة. على أن ذلك لا يغيّر من فاعلية قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها القوات المسلّحة اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب، والتي تُعتبر سابقة لها ما بعدها في رسم خارطة الإقليم الجيوسياسية وأمن المرور البحري. ويَظهر اليمن، بتفعيله هذه الورقة بصفته مشاركاً رئيسياً في الأمن الملاحي وحماية المياه الإقليمية، مقابل تحالف القوات البحرية المشتركة المتعدّدة الجنسيات الذي تقوده واشنطن ويتكوّن من 34 دولة من دول «الناتو» ودول الخليج ومصر. والجدير ذكره، هنا، أن الولايات المتحدة أعلنت في نيسان 2022، عن تشكيل «قوة المهام المشتركة 153» التي تتبع مقرّ الأسطول الخامس في البحرين، بدعوى مكافحة تهريب السلاح إلى اليمن، فيما نُفّذت في الأعوام الماضية في البحر الأحمر تمارين ومناورات عسكرية بمشاركة الدول المطبّعة مع إسرائيل.
وفي ما بدا متناقضاً مع التوتر السائد، قالت مصادر في «المجلس الرئاسي» إن المفاوضات بين الرياض وصنعاء مستمرّة في الوقت الراهن، والبحث جارٍ عن صيغ ترضي الجانبين بشأن الملفّ الإنساني، وتوقّعت أن يُنجز الاتفاق خلال أيام قليلة. ومن جهتها، لم تنفِ صنعاء استمرار التفاوض مع الجانب السعودي واحتمالية توقيع الاتفاق، ولكنّ مصادرها رهنت ذلك بقرار «التحالف»، ومن خلفه واشنطن، وقالت إن الأمور بخواتيمها، نظراً إلى التجارب السابقة وتراجع الطرف الآخر عن تعهّداته في اللحظات الأخيرة.
في هذا الوقت، أجرى المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، والسفير الأميركي، ستيفن فاجن، محادثات في الرياض مع رئيس «مجلس القيادة الرئاسي»، رشاد العليمي، وأعضاء المجلس عيدروس الزبيدي، وطارق صالح، وعثمان مجلي. وكانت الرياض قد دعت المذكورين للقدوم إليها على عجل بهدف إجراء مشاورات بشأن الخلافات بين مكوّنات المجلس، وسط معلومات عن أن الرياض أعدّت صيغة اتفاق في ما بين هذه المكوّنات. وبحسب مراقبين، فإن المملكة تعدّ حلفاءها للمرحلة المقبلة، بعد قصف صنعاء الأهداف الإسرائيلية وإرسائها قواعد جديدة للاشتباك، وتبحث معهم دورهم المقبل، إذا ما طُلب منهم التصعيد في وجه «أنصار الله».