القاهرة | ربما يبالغ بعضهم في تقدير آثار حملات مقاطعة البضائع الأميركية والأوروبية في الداخل المصري، والهدف هو التشكيك في أي نجاحات واضحة على الأرض. لكنّ ذلك لم يؤثر على رصد الرغبة الشعبية الجامحة لاستخدام هذا السلاح باعتباره «أضعف الإيمان» في ظل اكتفاء النظام المصري بالمساعدات التي لا تدخل إلا بعد توقيع العدو. وحده عمرو أديب خرج إلى جمهوره، مشكّكاً في أهمية المقاطعة، ومتبيّناً كعادته وجهة نظر ممثلي الشركات العالمية في المحروسة في سياسة المقاطعة التي تضطر أولاً لصرف العاملين المصريين فيها. دائماً ما كان أديب منحازاً إلى رجال الأعمال حتى المتّهمين منهم بجرائم قاطعة، لكنّ التشكيك في المقاطعة هذه المرة لا يمكن تفسيره فقط بأنه لأسباب اقتصادية، بل سياسية ومعنوية في المقام الأول: صمود المصريين ودعمهم لمنتجات بلدهم رغم تفاوت المستوى لصالح المستورد عَكسا حياة كان بعضهم يظنها قد غادرت الجسد المصري المستسلم في الظاهر للأمر الواقع. لكنهم كالعادة لا يهدرون فرصة للتأكيد على أنّ النار لم تخبُ تحت الرماد، فيحاول عمرو أديب إطفاءها لأن استفاقة المصريين لا تؤتمن.على المنوال نفسه، بدا أديب منذ الجمعة الماضية كأنه المعادل العربي لأفيخاي أدرعي متحدث «جيش» الاحتلال الذي لا ينفك يستغلّ أيّ فرصة لتحطيم معنويات العرب والهجوم على المقاومة، مردّداً أكاذيب لم يجد أديب أي حرج في تكرارها، بدءاً من الهجوم على كلمة السيد حسن نصرالله والرد على مطالبه بفتح المعبر بأنّ مصر فعلت كل ما عليها، وأنّ على نصرالله أن يأتي هو بعائلته للوقوف في رفح والعبور إلى غزة. تجاهل أديب إذن العشرات من شهداء الحزب على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، كما تجاهل أنّ كل ما تريده أميركا هو تحييد الحزب وإيران. وتجاهل كيف كانت الحال لو أن الجيش الإسرائيلي بكامل قوته تفرغ فقط للهجوم على غزة، وتجاهل أخيراً أنّ الدور المصري ما زال محصوراً في فتح المعبر وكأن القاهرة هي وسيط وليست طرفاً، وبالتأكيد تجاهل أن الدولة التي تموّل برنامجه لم تؤجل حتى حدثاً ترفيهياً عمره أربع سنوات من أجل إظهار تضامن ولو كان مزيّفاً مع قضية الوطن العربي المستمرة منذ 70 سنة. واصلت «موسم الرياض» الذي نظّمه رئيس «إدارة الهيئة العامة للترفيه» تركي آل شيخ المعروف بـ «بوناصر» على وقع أخبار المذابح الآتية من غزة.
بدا المذيع المصري كأنه المعادل العربي لأفيخاي أدرعي


لم يكتف أديب بانتقاد نصرالله مساء الجمعة، بل يبدو أن تقمّصه لشخصية أدرعي وصلت إلى ذروتها مساء السبت. إذ استدعى الباحث الإشكالي إسلام بحيري إلى الشاشة. «أخرجه من الفريزر» على حدّ تعليق المتابعين من أجل الترويج لأنّ ما يحدث في غزة ليس حرب تحرير ونضال ضد المستعمر، بل هي مجرّد حلقة جديدة من «حرب دينية» وضع فيها ضيف «إم. بي. سي. مصر» اليهود والمسلمين قبالة بعضهم. كلاهما ـــــ وفق بحيري ــــــ «منطلق من اعتقادات دينية خاطئة، وخصوصاً المسلمين الذين يؤمنون بأن إسرائيل إلى زوال». لكنّ بحيري جاء لنا من حيث لا ندري ليؤكد «أنّ الوعد القرآني بزوال إسرائيل مرتين قد تحقّق بالفعل قبل ظهور الإسلام، وأنّ فتوى زوالها الآن هي لقيادي إخواني أصدرها قبل عام 1948 حتى يستفيد منها الإخوان سياسياً ومن بعدهم «حماس»، وأن الشيخ محمد متولي الشعراوي روّج لها بعد حرب 1967 ليظل العداء متوارثاً في نفوس الأجيال» واصفاً توقّع زوال إسرائيل بأنه «بدعة». وأكّد أنّ «اليهود أيضاً لن يقبلوا بالدولة الواحدة ولا بحلّ الدولتين، لأنهم مؤمنون بنقاء العرق وبأن الدولة يجب أن تكون لليهود فقط، بالتالي فسدت كل اتفاقيات السلام وما تفعله إسرائيل الآن في غزة هي الإبادة التي ستوصلهم إلى تحقيق الحلم، وأن غزة قبل 7 أكتوبر في حال أفضل مما هي عليه الآن، ولا أحد مستفيد من العداوة التاريخية بين الطرفين».
ما الحل لوقف كل ما يحدث، وحماية الأقصى والقدس من الانتهاكات ومنع الاستيطان ووقف المجازر والقتل اليومي الذي يمارسه الاحتلال؟ الإجابات ليست لدى عمرو أديب ولا ضيفه. المهم هو أن تتزعزع في النفوس أي قدرة على المقاومة، أن ييأس العرب من احتمال زوال إسرائيل، ويتراجع المصريون عن مقاطعة بضائع تموّل الكيان الصهيوني، فيما كيل الاتهامات سهل لو كان الهدف هو السيد حسن نصرالله.