القاهرة | الانصراف الجماهيري المستمر والمتزايد عن برامج الإعلامي إبراهيم عيسى، لم يثنه يوماً عن طرح آرائه المستفزة لغالبية الرأي العام المصري. عيسى الذي اعتاد طرح رؤى سياسية ودينية مثيرة للجدل والغضب في آن معاً، لم يمنح «قذائفه» الإعلامية استراحةً، واستمرّ في توجيهها صوب حركة «حماس» التي تتصدّى للحرب الإسرائيلية المجنونة على غزّة. استغل عيسى شاشة «القاهرة والناس» لإطلاق اتهامات من السهل جداً تفنيدها والرد عليها، لكن الأسهل ــ وهو ما لا يستوعبه الإعلامي المخضرم ــ تأجيلها إلى حين خمود النيران بدلاً من انتقاد إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في دقائق عدّة، ثم تخصيص باقي المقدمة الكلامية التي عفا عليها الزمن إعلامياً لسبّ «حماس» والتشكيك في وطنيّتها.
(من الويب)

منذ الأيام الأولى لـ «طوفان الأقصى»، لم تتوقف اتهامات عيسى لـ«حماس»، لكن وتيرتها زادت في الآونة الأخيرة. الغريب أنّ موقفه يتناقض شكلاً وموضوعاً مع الموقف الرسمي المصري. صحيح أنّ علاقات القاهرة و«حماس» تراجعت إلى ما دون الصفر منذ عام 2011 إلى جانب ما قيل عن دعم «حماس» لجماعة الإخوان المسلمين ومسؤوليتها عن عمليات عدّة جرت في سيناء، لكن منذ «طوفان الأقصى» وما تردد عن نية إسرائيل تهجير سكان غزة إلى سيناء، باتت المصلحة السياسية تجمع المحروسة مع حركة المقاومة الإسلامية. أمر يطرح تساؤلاً حول الدافع من وراء خطاب عيسى المعارض لـ «حماس». هل هي بأوامر غير معلنة من النظام المصري، أم لمصلحة أنظمة عربية ترى أن ما فعلته «حماس» أحرجها وأفسد مخططات تطبيعها مع تل أبيب، وإن كانت قناة «القاهرة والناس» المملوكة لطارق نور تقف دوماً في الصف المواجه لأي إجماع شعبي، حتى إنّها الشاشة الوحيدة التي تصف شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) بـ «شهر السادات»، وهو الزعيم نفسه الذي يحمّله كثيرون الآن مسؤولية ما آلت إليه القضية الفلسطينية بعد اتفاق «كامب ديفيد».
الانتقادات الموجّهة إلى «حماس»، كان يمكن أن تمر مرور الكرام لو أنّها طُرحت ضمن سيناريوات عدّة وبألفاظ مهنية، لكن عيسى مختلف عن الجميع، يتكلّم بقاموس خاص إلى درجة أنّه لم يجد غضاضةً في أن يصف المقاومة بأنّها «نذلة وجبانة وغير وطنية وغير شريفة»، وأنّ قادتها يغامرون بحياة الشعب الفلسطيني. وأضاف أنّ الحركة تعتبر غزّة أرضاً إسلامية وليست فلسطين، وبالتالي علينا أن ندعم الفلسطينيين لا «حماس»، في الوقت الذي راح يعدّد فيه المرّات التي تكرّرت فيها كلمة فلسطين في خطابات المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، مشيراً إلى أنّها محدودة بالمقارنة بكلمة غزّة. وانتقد عيسى الشخصية الأكثر شعبية بين العرب هذه الأيام كونه يظهر ملثّماً، كأنّه ينتمي إلى «داعش» و«القاعدة»، ما سيجعل الغرب «يصدّق أنّ «حماس» إرهابية» على حدّ تعبيره! ويعتبر صاحب النصّ لمسلسل «حضرة العمدة» أنّ أبو عبيدة يتكلّم بلغة خطابية لا سياسية.
وصف المقاومة بأنّها «نذلة وجبانة وغير وطنية وغير شريفة»


يخاطب عيسى الكاميرا بمفرده ولا يترك لأحد فرصةً أو التعليق عليه أو مساءلته. ربّما لو فعل، لوجد من يرد مستنكراً على العلاقة بين لثام أبو عبيدة ورؤية الغرب، الذي جاءت تلك المعركة لتؤكّد أنّه منحاز لإسرائيل بالكامل حتى لو أنّ ملائكة من السماء نزلت تدافع عن غزّة، ناهيك بأنّ «داعش» و«القاعدة» لم يحاربا تل أبيب قط، لأنّهما ببساطة صناعة غربية. فكيف يضع «حماس» التي قسمت الداخل الإسرائيلي معهما في جملة مفيدة؟ وكيف سيقدّم متحدّث باسم مقاومة مسلحة خطاباً سياسياً فيما دوره أصلاً تأكيد فشل العدو؟ علماً أنّ هذا ما فعله أبو عبيدة بنجاح كبير مساء أوّل من أمس الثلاثاء عندما سخر من إعلان جيش الاحتلال تحرير أسيرة واحدة بعد شهر من العمليات العسكرية. يظهر أبو عبيدة ملثّماً لأسباب أمنية وهرباً من الاستهداف، فيما يظهر عيسى من دون لثام لأنّه بتعبير المصريين «وشّه مكشوف»، أي إنّه لا يخجل من تصرّفاته وأقواله، فلا يحتاج إلى تغطية ملامحه التي انصرف عنها الملايين.