رام الله | يبدو أن يَد إسرائيل التي تواصل ارتكاب مجزرتها في قطاع غزة، بدأت تمتدّ إلى الأسرى في السجون، ليكون أوّل ضحاياها هناك القيادي في حركة «حماس»، عمر حمزة دراغمة (58 عاماً) من مدينة طوباس، قبل أن يلحقه، عصر أمس إلى قافلة الاستشهاد، الأسير عرفات ياسر حمدان (25) من بلدة بيت سيرا في قضاء رام الله، والذي قضى في سجن «عوفر». وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت دراغمة مع نجله، حمزة، في 9 تشرين الأول الجاري، أي في اليوم الثالث من معركة «طوفان الأقصى»، ليَحضر، الاثنين (أول من أمس)، عن بعد، جلسة المحكمة التي عُقدت في معسكر عوفر. وقتها، أكد محاميه أن عمر في صحّة جيّدة، وذلك رداً على سؤاله حول وضعه الصحي، إلى أن أعلنت «مصلحة سجون الاحتلال»، مساءً، وفاته بـ«نوبة قلبية» في سجن «مجيدو». أمّا حمدان، فاعتقلته قوات الاحتلال، الأحد الماضي، ضمن حملات الاعتقالات الأخيرة. وعلّقت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» و«نادي الأسير» على حادثة استشهاد دراغمة، ببيان مشترك اعتبرا فيه أن «استشهاد أيّ أسير في ظلّ العدوان الشامل على شعبنا والإبادة في حقّ شعبنا في غزة، هو بمثابة عملية اغتيال متعمّدة»، مؤكداً أن «رواية الاحتلال كانت وستبقى موضع شكّ، ففي كلّ مرّة، كان الاحتلال يَخلق روايات حول ظروف استشهاد الأسرى، في محاولة منه للتنصّل من جريمته». ونبّها في هذا الإطار إلى أنه «استناداً إلى العديد من شهادات المعتقلين الجدد، (الذين تحدّثوا) عن تعرّضهم للتنكيل والضرب خلال نقلهم إلى المحكمة، أو الغرفة المخصّصة لحضور المحكمة عبر تقنية (الفيديو كونفرنس)، وفي ضوء كلّ ما يصلنا من معطيات حول عمليات تنكيل في حقّ الأسرى، فإنّنا لا نتحدّث عن مجرّد مخاوف من استشهاد معتقلين آخرين، بل بتنا نعلن استشهاد أحدهم». وبعد استشهاد حمدان، صدر بيان ثانٍ عن «الهيئة» و«النادي» يؤكّد أن «الاحتلال بدأ بعملية اغتيال ممنهجة بحقّ الأسرى، في ضوء العدوان الشامل على شعبنا وأسرانا».
وفيما يفرض العدو تعتيماً على أوضاع الأسرى، لناحية أعدادهم، وظروف وأماكن اعتقالهم، وكذلك الزيارات المتاحة لهم ومدى توفير احتياجاتهم، بعدما شدّد قبضته الأمنية القمعية عليهم، تلبيةً لرغبته في الانتقام والقتل، تجد «مصلحة السجون» في العدوان على غزة، فرصةً مواتية للانقضاض على الأسرى الذين باتوا عرضةً للاغتيال والإعدام، وتشديد ظروف اعتقالهم، سواء من الناحية المعيشية، أو من خلال التنكيل بهم والاعتداء عليهم، علماً أن عدد شهداء الحركة الأسيرة ارتفع، منذ عام 1967، إلى 238، فيما يواصل الاحتلال احتجاز جثامين 11 شهيداً منهم. وكانت سلطات السجون قد فرضت على الأسرى جملة عقوبات بعد عملية «طوفان الأقصى»، شملت سحب جميع الأجهزة الكهربائية، من تلفزيونات، وبلاطات تسخين الأكل، وأباريق تسخين المياه، وقطْع التيار الكهربائي عن الأقسام من الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً، وتقليص «الفورة» إلى مدّة 20 دقيقة فقط، وفي بعض الأحيان حرمانهم منها بشكل كامل. كذلك، عمدت مصلحة سجون الاحتلال الى إتلاف كل الأدوات الرياضية البسيطة، وقطْع المياه الساخنة عن الأقسام، وهو ما يضطرّ الأسرى إلى الاستحمام بمياه باردة، وإغلاق المطبخ وتوفير وجبتين متواضعتَين فقط، وإجراء تفتيش دوري ويومي للغرف بطريقة وحشية، ووضع 9 أسرى في كلّ غرفة بدلاً من خمسة، كما كان متّبعاً في السابق، وتحويل بعض الأسرى المنتهية محكوميتهم إلى الاعتقال الإداري.
شدّدت سلطات السجون من ظروف اعتقال الأسرى، وفرضت عليهم جملة عقوبات كنوع من الانتقام


بالتوازي مع ذلك، أقدمت قوات الاحتلال، ليل الاثنين - الثلاثاء، على اعتقال أكثر من 50 مواطناً في الضفة، من بينهم أسرى سابقون، ليرتفع عدد حالات الاعتقال، منذ السابع من الجاري، إلى أكثر من 1265، علماً أن هذه الإحصائيات لا تشمل العمّال ولا المعتقلين من قطاع غزة، إذ لا توجد أعداد دقيقة لهم، كون سلطات الاحتلال تفرض تعتيماً على هذا الأمر. وبحسب ما تفيد به مؤسّسات الأسرى، فإنه ليس ثمّة بيانات واضحة من جانب المؤسّسات الحقوقية، أو «الصليب الأحمر»، حول أعداد أو هويات العمّال المحتجزين لدى الاحتلال، ولا أماكن احتجازهم، على رغم كلّ المطالبات واللقاءات التي عُقدت مع «الصليب الأحمر الدولي» خلال الفترة الماضية.
على أن الهمجية والإرهاب الإسرائيليَّين ضد الأسرى لا ينحصران داخل السجون؛ بل يبدآن على الأرض، منذ اقتحام منازل هؤلاء ولحظات اعتقالهم الأولى. ووفق ما وثّقته مؤسّسات الأسرى، فإن مستوى التنكيل عالٍ جداً في حقّ المواطنين، وهو وصل إلى حدّ إطلاق النار، واستخدام العائلات كرهائن، فضلاً عن تخريب وتدمير كبيرَين داخل منازلهم، وتعريض معظم مَن اعتقلوا للضرب المبرّح، وهو ما تسبّب لجزء من المعتقلين بإصابات تضاف إلى عمليات الإعدام الميداني.
وتزامنت هذه الهجمة مع فرْض سلطات الاحتلال قوانين، وأوامر عسكرية مشدّدة، وتفعيل أخرى من شأنها أن تساهم في تسهيل عمليات الاعتقال، والتنكيل بالمعتقلين، والتضييق على عمل الطواقم القانونية. ولعلّ أبرز مثال على ذلك، التوسُّع في اللجوء إلى الاعتقال الإداري، بعدما جرى تحويل جزء كبير ممَّن جرى اعتقالهم، بعد السابع من الجاري، إلى الاعتقال الإداري، إذ بلغت حصيلة الأوامر التي صدرت، إلى الآن، أكثر من 300 بين أوامر جديدة، وأخرى بالتجديد لمعتقلين سابقين. وكان «الحاكم العسكري» في الضفة قد أصدر تعديلات مؤقتة على الاعتقال الإداري، شملت رفْع مدّة توقيف الأسرى لفحص إمكانية استصدار أمر اعتقال إداري في حقّهم، من 72 ساعة إلى ستة أيام، وتعديل مدّة عرض الأسير على جلسة التثبيت الأولى، حيث أصبحت 12 يوماً عوضاً عن ثمانية أيام. ويهدف هذا التعديل وما سبقه من أوامر، بحسب بيان لـ«نادي الأسير»، إلى «تنفيذ المزيد من حملات الاعتقال، والتسهيل على أجهزة الاحتلال إصدار المزيد من أوامر الاعتقال الإداري، وإدارة العدد الكبير من المعتقلين، ومنهم المعتقلون إدارياً».
من جهتها، عقدت عائلات الأسرى، الأحد الماضي، مؤتمراً صحافيّاً في وسط رام الله، أعربت فيه عن قلقها البالغ على مصير أبنائها، بعدما استفرد الاحتلال بهم، وضاعف من جرائمه الممنهجة في حقّهم، وبشكل غير مسبوق، قائلة إنها «تُعلِم العالم بأن سجون الاحتلال تحوّلت، في غضون نحو أسبوعين، إلى معتقل غوانتانامو، حيث حَرم الاحتلال، الأسرى من الزيارات، بما فيها زيارة المحامين والطواقم القانونية، وأوقف العلاج، وقطع عنهم المياه والكهرباء، واليوم يواجه أبناؤنا الجوع، نعم الجوع، بعدما سحب الاحتلال المواد الغذائية منهم، وقلّص وجبات الطعام». وأضافت العائلات، في كلمة ألقتها زوجة الأسير عاهد أبو غلمي، إنه «منذ السابع من أكتوبر، يتعرّض أبناؤنا لاعتداءات بالضرب المبرّح داخل أقسامهم، ولعمليات تنكيل وتعذيب هي أضعاف عمليات التنكيل والتعذيب التي كان الاحتلال ينتهجها في السابق، والعالم يكتفي اليوم بالحديث عن الرهائن المحتجزين في غزة منذ أسبوعين، ولم يرَ يوماً آلاف الأسرى في سجون الاحتلال الذين كانوا ولا يزالون مجرّد أرقام بالنسبة إليه!».