في رام الله، التي تواجه فيها الرياض مهمةً كأداء محاولة إقناع الفلسطينيين، بالقبول بمجرّد وعود مقابل مباركة التطبيع السعوديّ، إذ لا يبدو واقعياً الرهان على أن تُقدّم هذه الحكومة الإسرائيلية «تنازلات» تصل إلى حدّ إقامة دولة فلسطينية. قبل الحديث عن حدود تلك الدولة، سعى السفير السعودي إلى «طمأنة» الفلسطينيين إلى موقف بلاده. واللافت في زيارة السفير، الذي وصل على رأس وفد رسميّ قادماً من الأردن عبر جسر الملك حسين (اللنبي) الذي يشرف عليه الاحتلال من الناحية المقابلة للأردن، والذي قدّم أوراق اعتماده في رام الله لدى الرئيس محمود عباس، أنها تُعَدّ الأولى من نوعها منذ تعيينه في آب الماضي سفيراً غير مقيم في الأراضي الفلسطينية، وقنصلاً عاماً في مدينة القدس المحتلة، وهي الزيارة الأولى أيضاً لوفد سعوديّ رسمي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ توقيع اتفاقية «أوسلو» عام 1993. وتأتي الزيارة، أيضاً في ظل حديث إسرائيلي وأميركي عن تقدم في ملف التطبيع وزيادة فرص تجاوز عقبة القضية الفلسطينية في ظل «رضى» السلطة الفلسطينية عنه في مقابل دعم اقتصادي سعودي سخيّ.
وفي السياق، علمت «الأخبار» من مصادر في السلطة الفلسطينية، أن القنصل السعودي سيكون «متعدّد المهمات في المنطقة»، إذ إنّ مهمامته لن تقتصر على تلك المحدّدة لدى السلطة الفلسطينية، بل ستكون له علاقات مباشرة مع حكومة الاحتلال، عبر لقاءات غير معلنة مع المسؤولين الإسرائيليين، كخطوة أولى لبناء علاقات رسمية بين الطرفين، بالإضافة إلى تمرير الدعم السعودي المتوقع في المدّة المقبلة بعد تمرير التطبيع. ووفق مصادر محلية، فقد زار السفير السعودي مقرّ وزارة الخارجية الفلسطينية في رام الله ليسلّم وزير الخارجية والمغتربين، رياض المالكي، نسخة من أوراق اعتماده، ثم توجّه إلى مقرّ الرئاسة حيث قدّم أوراق اعتماده لدى عباس. وتبع هذه اللقاءات، وفق المصادر، لقاءُ للسفير مع أمين سرّ اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، الذي كان قد أقنع «أبو مازن» بوجوب «الاستفادة» من التطبيع المذكور، وترأّس وفداً زار الرياض، في الخامس من الشهر الجاري، حيث التقى مسؤولين سعوديين لإبلاغهم أنّ «السلطة الفلسطينية، رغم تمسّكها بالمبادرة العربية للسلام، لن تقف في وجه الاتفاق، ولن تعارض الموقف السعودي في حال توافرت لها مقوّمات مالية كبيرة تمنع انهيارها». وبعد لقاء المالكي، قال السديري إن القضية الفلسطينية «ركن أساسي» في أي اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل، مضيفاً أن «المبادرة العربية التي قدمتها المملكة في عام 2002 هي ركن أساسيّ لأي اتفاق قادم».
لا يبدو واقعياً الرهان على تقديم الإسرائيليين «تنازلات» تصل إلى حدّ إقامة دولة فلسطينية
لكنّ تل أبيب سبق أن رفضت تلك المبادرة مقابل العلاقات مع كل الدول العربية، فكيف ستقبل بها مقابل العلاقات مع دولة واحدة؟ وفي كل الحالات كان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد أعلن قبل أسبوع فقط، معارضته التامة لإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع المملكة. وفي الوقت الذي تكاثرت فيه الأحاديث في الإعلام العبري عن زيارة متوقعة للسفير السعودي إلى المسجد الأقصى، أفادت المصادر نفسها أن تنسيقاً جرى بين السعوديين مع دولة الاحتلال في هذا السياق للوصول إلى المسجد، في الزيارة التي يجريها لأداء الصلاة فيه، وذلك من جهة باب المغاربة في الجهة الغربية من المسجد، التي تسيطر عليها قوات الاحتلال، ومنها يقتحم المستوطنون باحات الأقصى، وكذلك تدخل الوفود الأجنبية التي تنسّق دخولها مع سلطات الاحتلال. إلا أن مصادر في الرئاسة الفلسطينية نفت أن يكون لديها أي علم بزيارة السفير السعودي للمسجد الأقصى، فيما قالت «الأوقاف الإسلامية» في القدس إنه لا علم لها بمثل هذه الزيارة وأن كل ما يُقال في هذا الشأن «لم نبلغ به حتى الآن»، علماً أن «الأوقاف» تستقبل الوفود الزائرة للمسجد الأقصى، في العادة، من جهة باب الأسباط.
وفي مؤشر إلى أن التطبيع يمضي بمعزل عن الحقوق الفلسطينية، بدأ وزير السياحة الإسرائيلي، حاييم كاتس، زيارة إلى السعودية، في أول زيارة علنية إلى المملكة يقوم بها مسؤول في هذا المستوى. وقالت وزارة السياحة التابعة للاحتلال إن «كاتس هو أول وزير إسرائيلي يترأس وفداً رسمياً إلى السعودية، مشيرة إلى أنه سيشارك في حدث لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في الرياض. وأعلنت «القناة 12» العبرية أن وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كارعي، يزور السعودية الأسبوع المقبل. وكذلك سيزورها رئيس لجنة الاقتصاد في الكنيست، دافيد بيطان.