بعد ليلة ساخنة شهدت عشرات الغارات التي طاولت مختلف محافظات قطاع غزة، وفي وقت كانت فيه مفاوضات وقف إطلاق النار تصل إلى لحظاتها الأخيرة، إلى الحدّ الذي دفع جيش الاحتلال إلى نشر حصيلة أيام القتال الثلاثة تمهيداً - كما العادة - لتوقّف المعركة، وسّعت المقاومة، يوم أمس، دائرة اللهب، على نحو صدم المستويَين السياسي والأمني في الكيان. وأطلقت المقاومة، قبل الظهر، رشقة صاروخية كبيرة، طاولت لأوّل مرّة مستوطنات جنوب الضفة الغربية المحتلّة، مثل "بيتار عيليت" غربي بيت لحم، و"إفرات"، فضلاً عن مختلف المستوطنات والمدن المحاذية لقطاع غزة، والأهمّ مدينة القدس، التي شقّت رشقة مكوَّنة من سبعة صواريخ طريقها نحو مستوطنات "غوش عتصون" و"بيت شيمس" غربيّها، وهو ما دفع محلّلي وسائل الإعلام العبرية إلى القول: "على ما يبدو، الجهاد الإسلامي عيّنت مسؤولاً جديداً للوحدة الصاروخية أكثر جنوناً من سابقه"، فيما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تجاوزت الجولة الحدود الزمانية والميدانية لتقديراته، أعطى تعليماته بتكثيف الردّ على "الجهاد" وإلحاق ضرر جسيم ببنيتها التنظيمية.
ما استُخدم حتى اللحظة، هو فقط جزء ممّا تمتلكه القوّة الصاروخية من إمكانات

في المقابل، أكّد الإعلام الحربي لـ"سرايا القدس" مواصلة الهجمات، ناشراً صوراً حملت عبارة "وعدنا ووفينا... لا خطوط حمراء". كذلك، نشر الإعلام العسكري التابع لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، تصميماً حمل صور شهداء "السرايا"، ممهوراً بمسمّى المعركة الجارية: "ثأر الأحرار". وأوضحت مصادر في "الجهاد"، بدورها، في حديث إلى "الأخبار"، أنه "لم يَعُد منوطاً بهذه الجولة، رفع تكلفة اغتيال القادة فحسب، إذ إن نهاية الأسبوع المقبل ستشهد حدث مسيرة الأعلام، التي ترفض قيادة الاحتلال حتى اللحظة تغيير مسارها، لذا، فإن إطلاق الصواريخ على القدس حمل رسالة إلى العدو، ومِن خَلفه الوسطاء الإقليميين، بأن الخروج من هذه الجولة لا بدّ من أن يحمل منجزاً واضحاً، وهو تعطيل مخطّط مسيرة الأعلام الذي من المتوقّع أن يشعل الموقف مجدّداً". وأشارت المصادر إلى أن "قيادة الاحتلال تستعجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، بأيّ ثمن كان، لأنها تدرك أن لديها حدثاً مرتقباً بعد أيام، سيضمن لها صناعة مشهد استفزازي في القدس، يحقّق صورة النصر، وعندها، لن تستطيع المقاومة الخارجة لتوّها من جولة صعبة، أن تعيد الكَرّة، وعليه، فإن إطالة مدّة الجولة ورقة رابحة بيد المقاومة لا بدّ من استغلالها".

جدل الصواريخ النوعية
كان العنوان الأبرز الذي تصدّر مختلف الصحف العبرية صباح أمس، هو صاروخ مستوطنة "رحفوت"، بعدما استطاع الإفلات من منظومتَي "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" - على رغم محاولة اعتراضه بنحو 20 صاروخاً -، وتمكَّن من خرْق سطحَين قبل أن يَنفذ إلى شقّة سكنية عاث فيها خراباً واسعاً، وتسبّب بإصابة نحو 20 مستوطناً. واستضافت المواقع العبرية، على خلفية هذا الحدث، شهود عيان من المستوطنين، قال أحدهم: "للوهلة الأولى رأيتُ الدخان، والهلع الكبير، والصراخ في كلّ مكان، رأيتُ الركام والدخان في كلّ مكان، لم يكن واضحاً مكان الضربة بالتحديد، لم أكن أعلم ما إذا كان الملقون على الأرض قتلى أو جرحى، أكوام من الناس في الشوارع، لا نعرف من هو حيّ أو ميت". وتابع: "رأيتُ رأس شخص وهو يخترق الجدار، لم أصدّق أن دماراً بمثل هذا الحجم سيصيب مدينتنا". وفي ما بدا محاولة لتمويه الخسائر، ازدحم الإعلام العبري، في الوقت نفسه، بأخبار حوادث الطرق والجرائم، مع الحديث عن وقوع جريمتَي قتل في ليلة واحدة، وإصابة سبعة مستوطنين بجروح متفاوتة في حوادث طرق.
وعن طبيعة الصواريخ التي تطاول العمق الإسرائيلي، تُرجّح مصادر عبرية أن يكون بعضها من طراز "m302" السوري، فيما تفترض أخرى أن جزءاً منها هو من منظومة "فجر" الإيرانية. أمّا "الجهاد" فلم تفصح إلّا عن هويّتَي صاروخَي "براق 85" و"بدر 3" اللذين صُنّعا محلياً، فيما تركت مصادر في "السرايا" تحدّثت معها "الأخبار"، الإجابة شاغرة عن تلك الأسئلة، مؤكّدة في الوقت عينه أن ما استُخدم حتى اللحظة، هو فقط جزء ممّا تمتلكه القوّة الصاروخية من إمكانات.