على ضوء استئناف المواجهة العسكرية بين قطاع غزة وإسرائيل، فإن أقل ما يمكن أن يقال في حق رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إنه في معضلة حقيقية. فكل خياراته المتاحة سيئة. إن هو التزم سقفاً محدوداً في الرد على صواريخ المقاومة، فسيبدو ضعيفاً ومردوعاً. في الوقت نفسه، من المستبعد تبنّيه خيارات دراماتيكية كالعودة إلى عملية برية واسعة لأسباب متعددة، منها أنها تنطوي على أثمان ثبت للإسرائيلي أنها ستكون مؤلمة.
بناءً على ذلك، لم يبق أمام نتنياهو سوى العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل وقف النار، وهو أيضاً خيار مؤلم جداً لجيشه على المستوى السياسي والمعنوي والردعي. وأخيراً بقيت العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو الخيار الذي توسله سابقاً.
ليس مبالغة القول إن قرار المقاومة استئناف إطلاق الصواريخ كان له وقع الصدمة في الساحة الإسرائيلية، ويتعارض مع التقديرات السياسية والاستخبارية الفعلية. ومن أبرز المؤشرات على ذلك، تسريح نحو 30 ألفاً من جنود الاحتياط، ونقل قوات كبيرة تجاه شمال إسرائيل، إضافة إلى تعليمات الجبهات الداخلية بالعودة إلى الوضع الطبيعي الذي كان سائداً، فضلاً عن دعوات القادة الإسرائيليين المستوطنين في الجنوب إلى العودة إلى بيوتهم، وهو ما رفضوه لأنهم لم يثقوا بحديث قادتهم وجيشهم.
أما المقاومة فهي أيضاً لو لم تظهر جدية وحزماً في الوعود التي أطلقتها قبل انتهاء الهدنة، لكانت صورتها ستعبر عن رسالة ضعف تدفع الإسرائيلي إلى مزيد من التصلب ورفع السقوف، فضلاً عن أن ذلك سيؤشر على تعزيز قوة الردع الإسرائيلية وسيتحول إلى مربح أساسي في الخطاب الدعائي لنتنياهو والمؤسسة العسكرية.
الآن، بعدما بدت المقاومة في موقع المبادر، لم يعد في وسع نتنياهو وقادة جيشه تسويق الصورة الزائفة التي حاولوا زرعها في الرأي العام الاسرائيلي. فهو أخفق في القول إن إسرائيل خرجت منتصرة من هذه المعركة، وإن المقاومة تلقت ضربات استراتيجية ستكون كافية لردعها وتسمح لمستوطنات الجنوب بالشعور بمدة هدوء طويلة.
أيضاً، نجحت المقاومة في إسقاط الرهانات على إمكانية خفض سقفها التفاوضي بما دون مطالب الشعب الفلسطيني، انطلاقاً من تقدير مفاده أن حجم التضحيات الكبيرة التي ألحقها جيش الاحتلال متعمداً بالمدنيين سيكون له أثره على أي قرار تتخذه قيادة المقاومة. في هذا الصدد، نجحت المقاومة في توجيه رسالة مدوية سيكون لها صداها على مستوى صانع القرار في تل أبيب، إضافة إلى الرأي العام الاسرائيلي، وأكدت لهم أن الخيارات أمام إسرائيل والآخرين واحد من اثنين: إما تلبية المطالب الفلسطينية، وإما استمرار المواجهات العسكرية التي بالتأكيد ستتخذ لاحقاً، إن استمرت، منحى تصاعدياً.
وينبغي الإشارة إلى حقيقة أن الطرفين حرصا أمس على وتيرة مواجهة منخفضة نسبياً. وتجلى ذلك فلسطينياً في تجنّب توجيه ضربات إلى تل أبيب وغيرها من المدن البعيدة. وإن حدث ذلك، فهذا سيعني أن المفاوضات السياسية المواكبة للمواجهات وصلت إلى طريق مسدودة. كذلك تجلى ذلك بالنسبة إلى الإسرائيلي بسقف ردود أقل مما كان عليه الوضع خلال الأسابيع الماضية.
في كل الأحوال، لم تعد المفاوضات بعد استئناف المقاومة إطلاق الصواريخ كما كانت عليه خلال الأيام الثلاثة الماضية، خاصة في ما يتعلق بالرهانات التي كانت حاضرة لدى الأطراف المقابلة على طاولة المفاوضات، وبعدما اكتسبت المقاومة المزيد من الثقة والمصداقية حتى لدى الأطراف التي تضغط عليها.