رام الله | لم تكن زيارة وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، المتطرّف إيتمار بن غفير، لسجن نفحة قبل أيام، وتفقّده الأقسام الجديدة التي جرى افتتاحها هناك، إلّا بمثابة فتيل لمواجهة يريد الدفع نحوها، بادئاً بفرض شروط حياة جديدة على الأسرى، تضْمن تنكيلاً أوسع بحقّهم خلال الفترة المقبلة. وتعبّر التصريحات التي أطلقها بن غفير من «نفحة» عن جوهر رؤيته للمعتقَلات، إذ قال: «أتيتُ إلى سجن نفحة للتأكّد من أن قتَلة اليهود لا يحصلون على ظروف أفضل بعد بناء زنازين جديدة»، مضيفاً: «سُعدتُ برؤية مصلحة السجون لا تنوي تحسين ظروف الأسر»، مؤكداً أنه «ماضٍ في مخطّطه لتبنّي قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتّهَمين بقتل أو محاولة قتْل إسرائيليين». ويتطلّع الوزير الفاشي إلى تحويل المعتقَلات إلى جحيم، معتمِداً في ذلك على مجموعة قرارات كان آخرها تشديد القيود على زيارة أعضاء «الكنيست» العرب للأسرى الفلسطينيين، وإلغاء الممارسة التي يمكن بموجبها لأيّ نائب زيارة السجناء الأمنيين (الأسرى). كذلك، ترتكز خطّة بن غفير على تفكيك بنية الحركة الأسيرة، بما يمنعها من اتّخاذ قرارات مصيرية في المواجهة. ومن هنا، فقد بدأ، منذ يوم الأحد إجراء تنقّلات للأسرى بين المعتقَلات شملت 40 أسيراً، بينما تخطّط مصلحة السجون لإعادة توزيع نحو ألفَي أسير، وسط خشية سلطات الاحتلال من اندلاع هَبّة غضب. وبحسب المخطّط الإسرائيلي، فإن عمليات النقل والتوزيع ستُستكمل خلال الأسابيع المقبلة من دون أن تستثني القادة، علماً أنه جرى نقْل البرغوثي أوّل من أمس من سجن هداريم إلى سجن نفحة، مع نحو 30 سجيناً آخر. ووفقاً لصحيفة «هآرتس» العبرية، فإن مفوّضة مصلحة السجون، كاثي بيري، عرضت خطّة النقل على بن غفير، الذي أبدى تأييداً تامّاً لها. والخطّة المذكورة صيغت قبل تولّي الأخير منصبه، وفق ما أفادت به مصادر في الجهاز الأمني، لكن صعود زعيم حزب «قوّة يهودية» سيولّد «دعماً قوياً» لتنفيذها الآن، في ما يستهدف توزيع الأسرى على الأجنحة الجديدة التي بُنيت في «نفحة» و«عوفر» و«جلبوع» - الذي تمّ ترميمه وتسليح الجزء السفلي منه بالخرسانة -، وبالتالي «تحطيم مراكز قوّة» المعتقَلين.
ويعيش الأسرى حالة استنفار تامّ منذ تشكيل حكومة الاحتلال الجديدة، على خلفية التحريض الكبير الممارَس ضدّهم من قِبَل بن غفير الذي أصرّ على أن تكون السجون ضمن صلاحياته. ولذا، فقد أعلنوا، الجمعة الماضي، حالة التعبئة الشاملة، استعداداً لمواجهة أيّ إجراءات تعسّفية قد تُفرض عليهم. وأفادت «هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين» بأن «بن غفير بدأ بالفعل اتّخاذ عدّة خطوات صارمة ضدّ الأسرى، أبرزها منع العلاج و"الفورة" و"الكانتينا"، وحظر النشاطات التنظيمية، وهذا يعني أن حياتهم ستكون عرضة للخطر». وحذّرت الهيئة من أن ذلك سيَدفعهم إمّا إلى «العصيان أو إضراب جماعي يعمّ كلّ سجون الاحتلال، وهو ما يستدعي من جميع الأطراف الوقوف إلى جانبهم ودعمهم في معركتهم»، معلِنةً أن «لدى الحركة الأسيرة برنامجاً لمواجهة مخطّطات المتطرّف بن غفير». ونبّهت إلى أن ردّة الفعل «قد يَنتج منها ارتقاء شهداء في صفوف الأسرى، وهو ما لن تُحمد عقباه»، مؤكدة أن «الأسرى على أتمّ الاستعداد والاستنفار، حيث شُكّلت لجان وطنية من جميع فصائل العمل الوطني لمواجهة أيّ إجراء جديد، وستكون هناك مرحلة عنوانها النصر أو الشهادة».
ولا تقتصر عمليات التضييق الإسرائيلية على الأسرى القابعين في السجون، بل تمتدّ أيضاً لتشمل أولئك المحرَّرين، وتحديداً أسرى الداخل المحتل، الذين يظلّون في دائرة الاستهداف حتى بعد الإفراج عنهم، وهو ما تجلّى في حالة عميد الأسرى، كريم يونس، الذي أُطلق سراحه صباحاً في منطقة نائية وبعيدة عن بلدته لمنع الاحتفال به، وجرى اقتحام خيمة استقباله أكثر من مرّة، وتصاعَد صوت التحريض ضدّه من قِبل المستوطِنين المطالبين بإعادته إلى الاعتقال الإداري أو طرْده من بلدته إلى الضفة أو قطاع غزة. وسيكون فلسطينيو الداخل، في الأيام المقبلة، على موعد مع حرية ابن عم كريم، ماهر يونس الذي أمضى 40 عاماً في السجون. واستباقاً لذلك، عقد بن غفير ومفتّش الشرطة العام، كوبي شبتاي، والمستشار القانوني للشرطة، اجتماعاً تمهيداً لإطلاق سراح ماهر، طلب خلاله الوزير استخدام القوة في حال أقيمت احتفالات بالمناسبة، وإزالة أيّ لافتات تدعم الأسرى، ومنع نصْب خيام استقبال، وأيضاً اعتقال المتظاهرين الذين يرفعون «شعارات تحريضية»، أو الذين «يقومون بسدّ طُرق أمام حركة السير». وينسجم هذا التوجّه على الأرض، مع آخر مماثل في «الكنيست» الذي وافق إحدى لجانه، الإثنين، على تسريع تمرير مشاريع القوانين القاضية بسحب الجنسية أو الإقامة، من كلّ «ناشط» حصل على مكافأة من السلطة الفلسطينية مقابل قيامه بعمل فدائي، وهو ما حصل على تأييد عشرة أعضاء، مقابل معارضة عضوَين. ويسمح القرار بتقديم مشاريع القوانين للقراءة الأوّلية في «الهيئة العامة للكنيست»، من دون الحاجة إلى الانتظار لمدّة الـ45 يوماً المنصوص عليها في القانون كي يراجع النواب الاقتراح.
لا تقتصر عمليات التضييق الإسرائيلية على الأسرى القابعين في السجون، بل تمتدّ أيضاً لتشمل أولئك المحرَّرين


هكذا، يستمرّ بن غفير في العبث بأعواد الثقاب قرب ملفّات خطيرة، يدرك الجميع أنها قادرة على تفجير المشهد. ولربّما يكون هذا العبث مقصوداً من قِبَل أقطاب «الصهيونية الدينية»، بهدف الدفع نحو مواجهة شاملة يأمل هؤلاء أن تعجّل في تحقيق تطلّعاتهم ضدّ الفلسطينيين، وهو ما تجلّيه الاستفزازات المتعمّدة في المسجد الأقصى، وتالياً في ملفّ الأسرى، ولاحقاً في ملفّ الاستيطان. وإذ يبدو أن ثمّة مصلحة لـ«العقلاء» في دولة الاحتلال في تأجيل الانفجار إلى أقصى موعد، فإن الإجراءات الأخيرة والمتوقّعة من شأنها تقريب هذا الموعد، خاصة أنها لا تستثني السلطة الفلسطينية، التي على رغم التزامها «التنسيق الأمني»، لا تؤدّي الدور المطلوب منها في ضبْط الأوضاع على النحو المأمول إسرائيلياً، فيما لا أحد يمكنه أن يتكهّن بمدى قدرتها على الصمود، خاصة إذا ما أثّرت العقوبات الإسرائيلية على إمكانية إيفائها بالتزاماتها وتحديداً تجاه الموظفين، والشرائح المجتمعية الأخرى. ومن هنا، يتقدّم شبح انفجار انتفاضة ثالثة، وفق ما حذّر منه رئيس وزراء الاحتلال السابق، يائير لابيد، الذي نقلت عنه صحيفة «معاريف» قوله: «أنا قلق من أن إيتمار بن غفير يقرّبنا من انتفاضة ثالثة»، وإن «حكومة نتنياهو ستبعد الإدارة الأميركية عن منطقة الشرق الأوسط»، بينما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن عقوبات الاحتلال على الفلسطينيين لن تؤدّي إلّا إلى زيادة التوتّرات.