أياً كانت خلفيات قرار إيقاف عشرات شركات الطيران رحلاتها الجوية إلى مطار بن غوريون، سواء كان حصراً نتيجة القلق من استهدافه بالصواريخ، أو كان معطوفاً أيضاً على خلفيات سياسية تهدف إلى ممارسة الضغط على إسرائيل. في كلتا الحالتين استطاعت صواريخ المقاومة في قطاع غزة، جعل سماء إسرائيل «مغلقة» أمام حركة الطيران، بما يؤدي إلى زيادة الأعباء والضغوط على الواقع الإسرائيلي، وإلى حالة الشلل العام التي تصيب جنوب إسرائيل ووسطها، تحديداً، بفعل توالي استهدافها بالصواريخ، فضلاً عن الخسائر البشرية المؤلمة التي أُلحقت بجيش الاحتلال.
وبناءً عليه، ينضم قرار وقف الرحلات الجوية إلى قائمة الضغوط التي استطاعت المقاومة في غزة استدراجها وفرضها على إسرائيل. وهو ما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام ضغوط متعددة الاتجاهات، سواء من الناحية الشعبية أو الاقتصادية والسياسية. ويشكل هذا العامل دوراً أساسياً في جعل تقصير أمد المواجهة، ليس فقط مطلباً فلسطينياً، بل إسرائيلي أيضاً، الأمر الذي يجعلها أحد الأسباب التي تستدعيها للمسارعة في البحث عن مخرج لاستمرار العدوان على غزة.
ويتعارض هذا المشهد، مع ما كانت تسعى إليه القيادة السياسية والأمنية في تل أبيب، بأن تواصل عدوانها على غزة وفي الوقت نفسه تستمر الحياة كما لو أنها طبيعية في مجمل الكيان الإسرائيلي، وتحديداً في المرافق العامة. لكن نجاح المقاومة في توزيع صواريخ بكافة اتجاهات البر الإسرائيلي، وصولاً إلى عمق الكيان ومؤسساته الأساسية، أسقط هذا الرهان واستبدلها بصورة إسرائيل «دولة غير آمنة».

آلاف العالقين في مطار بن غوريون وفي مطارات عالمية

وكتعبير عن حجم الضغط الذي تعاني منه إسرائيل، نتيجة تحول أجوائها ومنفذها إلى العالم على أنه مكان «غير آمن»، رأى الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، في قرار تعليق الرحلات الجوية إلى إسرائيل «خضوعاً للإرهاب»، معبّراً عن أسفه له. ورأى أن «الجواب الحقيقي على التهديد المحدق بإسرائيل لا يكون بوقف الرحلات الجوية، بل بوقف الصواريخ. وإذا ما خضعت شركات الطيران للإرهاب فإنها تستدعي بذلك مزيداً من إطلاق الصواريخ وتعظم من خطر الإرهاب في كل أنحاء العالم».
وبموازاة حالة القلق من استمرار عزوف شركات الطيران العالمية عن القيام برحلات جوية باتجاه إسرائيل، بما ينطوي عليه من أبعاد اقتصادية وسياسية، لم تنفع محاولة دفع رأس الهرم السياسي في إسرائيل، ممثلاً ببنيامين نتنياهو، إلى الضغط على وزير الخارجية الأميركية جون كيري، بهدف تعديل القرار الأميركي في هذا المجال. إذ رفضت الخارجية الأميركية الاستجابة لطلب نتنياهو، مبررة ذلك بأن «الاعتبار الوحيد لهذا القرار هو سلامة مواطنينا وأمانهم»، وأن سلطة الطيران «تواصل متابعة الأوضاع وتقويمها وستنشر تعليمات كل 24 ساعة ». وأوضح مسؤول مقرب من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن الإدارة لا تعتزم التدخل في قرارات إدارة الطيران.
وبفعل إلغاء معظم شركات الطيران رحلاتها الجوية، تحدثت تقارير إسرائيلية عن آلاف العالقين في مطار بن غوريون وفي مطارات عالمية، حتى بلغ الأمر بوسائل الإعلام الإسرائيلية أن وصفت حالة الشلل في حركة الطيران بـ«السماء المغلقة»، مشيرة إلى أن هذا الشلل يأتي في ذروة موسم السياحة، حيث تكون حركة الطيران في مثل هذه الأيام نشطة بظروف عادية.
والتحقت معظم شركات الطيران الأوروبية، بنظيرتها في الولايات المتحدة، بعد تحذير السلطات في أوروبا وواشنطن من السفر لإسرائيل بسبب الوضع الأمني وسقوط الصواريخ ليس بعيداً عن مطار بن غوريون. كذلك أشارت التقارير إلى أن طائرة تركية عادت أدراجها مساء أمس في وسط الطريق لنفس السبب.
هذا الواقع استفز جهات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، منهم رئيس بلدية نيويورك السابق، مايكل بلومبرغ، الذي أعلن أنه سيتوجه إلى تل أبيب «من أجل إظهار التضامن مع شعب إسرائيل، وأن إسرائيل آمنة للطيران إليها ومنها». وأكد أيضاً أن «تقييد حركة الطيران هو خطأ، لأنه يمنح حماس نصراً لا تستحقه، وينبغي إلغاء ذلك فوراً». ودعا أيضاً شركات الطيران الفدرالية إلى التراجع عن قرارها والسماح للشركات الأميركية بالتوجه الى اسرائيل.
في المقابل، اعتبرت تقارير اعلامية اسرائيلية، أنّ «من الممكن الشك في أن تكون خلفية قرار الغاء رحلات الطيران من الولايات المتحدة، ممارسة الضغوط على اسرائيل لإنهاء العملية في قطاع غزة».
ونتيجة فشل المحاولات الاسرائيلية في تبديل القرار الاميركي والاوروبي، لجهة تعليق رحلات الطيران، ذكر موقع «يديعوت احرونوت» ان وزير المواصلات الاسرائيلي يسرائيل كاتس، وافق على توصية المدير العام لسلطة المطارات القاضية بفتح مطار «عوفدا» في ايلات فوراً، كبديل لمطار بن غريون. وأفاد موقع «يديعوت» ان مطار «عوفدا» يستخدم لرحلات الأجرة الدولية.