غزة | على رغم اكتشاف حقل «غزة مارين» قبْل ما يزيد عن عشرين عاماً، فإن كلّ الاتفاقيات التي عُقدت طوال سنوات لبدء أعمال استخراج الغاز منه، لم تُفضِ إلى أيّ نتيجة تُذكَر. إذ ساهمت تقلّبات الوضع السياسي في ما بعد «أوسلو»، ثمّ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وصولاً إلى أحداث الاقتتال الداخلي عام 2007، في صناعة مناخ غير آمن للاستثمار بالنسبة إلى شركات التنقيب الدولية، ناهيك عن «الفيتو» الإسرائيلي على استثمارات كتلك. غير أن أزمة الغاز العالمية التي تَسبّبت بها الحرب الأوكرانية - الروسية، وقيام موسكو بقطع الجزء الأكبر من إمدادات الغاز عن أوروبا، ساهما في لفْت الأنظار من جديد إلى ثروة القطاع، حيث لم يمضِ سوى شهر واحد على وضْع المقاومة ملفّ حقول الغاز على طاولة مطالبها، بالتزامن مع الأجواء التي رافقت أزمة حقل «كاريش» وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال، حتى بدأت التسريبات عن حدوث اختراق مفاجئ في هذا الملفّ. إذ سرت أنباء أخيراً عن توصُّل السلطات المصرية إلى مسوّدة اتفاق مع إسرائيل، يقضي بسماح الأخيرة لشركة «إيجاس» المصرية ببدء أعمال استخراج الغاز من حقل «غزة مارين»، قبل أن تُعلن حكومة رام الله أنها ناقشت، في اجتماعها الأسبوعي أوّل من أمس، التقرير المُقدَّم من «صندوق الاستثمار الفلسطيني» حول تشغيل الحقل، وقرّرت «تشكيل لجنة وزارية للمتابعة مع الصندوق، لإتمام الاتفاق مع مصر». يرى الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، أن «الاتفاق تمّ بضغوط أميركية على إسرائيل»، مُفسِّراً ذلك بأن «واشنطن تسعى إلى استغلال مصادر الغاز كافة المتوفّرة لتأمين الغاز لأوروبا قبل حلول الشتاء». ويوضح أبو جياب، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الاتفاق بحاجة إلى عدّة أشهر للانتهاء من الصياغات القانونية، بعد إعطاء الإسرائيليين تفويضاً للمصريين لمتابعته والإشراف على تفاصيله»، مضيفاً أنه «بعد الانتهاء من توقيع اتّفاقية الإطار الفنّية، تبدأ إيجاس الخطوات العملية لتطوير الحقل، تمهيداً لاستخراج الغاز بالكميات التجارية بعد 30 شهراً». أمّا عن مصارف تسويق الغاز، فيبيّن أنه «من المقرَّر أن يصدَّر إلى محطّات الإسالة في دمياط في مصر، ثمّ تصدَّر الكميات الفائضة منه إلى أوروبا، ويُعاد جزء منه عبر مصر إلى قطاع غزة والضفة الغربية». ويتحدّث أبو جياب عن أن «لغزّة أيضاً حصّة من الاتفاق، إذ ضغطت الولايات المتحدة على الأطراف كافة لتأمين حصّة لم تُعرَف ماهيّتها بعد للقطاع، بإشراف من الأمم المتحدة وعدد من الرُعاة الإقليميين، فيما من المتوقّع أن يوفّر الغاز المستخرَج حاجة محطّة توليد الكهرباء، وأيضاً حاجات الاستهلاك المنزلي، وأن يصرف جزء من عائداته كذلك لتأمين رواتب الموظفين الحكوميين». غير أن «بيت القصيد» في الاتفاق الأخير، ليس حقل «غزة مارين» محدود الموارد فقط، بل يَجري الحديث عن ثمانية حقول أخرى على سواحل القطاع، تحوي كمّيات مهولة من الغاز، سيساهم البدء في تطوير «مارين» في اكتشافها ثمّ تقدير كمّياتها، علماً أن واشنطن تطمح إلى أن تساهم تلك الموارد مجتمعةً، في توفير فائض في سوق الغاز الدولية، يغني دول الاتحاد الأوروبي عن ارتباطها بروسيا.
يقدَّر العائد الاقتصادي السنوي من الاتفاق بـ1.5 مليار دولار سنوياً


من جهته، يرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن «الوقائع الدولية القائمة ساهمت في إنجاز هذا الملفّ العالق؛ إذ لأوّل مرّة، تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتليين موقفها المتصلّب في ما يتعلّق بموارد القطاع الغازية والنفطية». ويرجّح محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «المقاومة في القطاع، حين استنسخت تجربة حزب الله في إدارة ملفّ أزمة حقل كاريش قبل شهر من اليوم، كانت على علم بتلك التحرّكات التي تجري خلْف الكواليس، وإذا ما تمّ الأمر، فسيكون القطاع قد أمّن لنفسه جزءاً من الموارد الغازية، التي ظلّت طوال سنوات خارج حساباته الاقتصادية». أمّا عن المصلحة الإسرائيلية من تمرير اتّفاق كهذا، فيوضح المحلّل السياسي أن «إسرائيل تطمح بكلّ تأكيد إلى شراء مزيد من الهدوء، حيث الاستثمارات الكبرى كتلك، بحاجة إلى استقرار ميداني طويل المدى». لكن، أليس في ذلك فخٌّ آخر للمقاومة؟ يجيب محمد بأن «الأحداث الكبيرة لا تلتفت إلى قدْر الخسائر والمكتسبات. الانتفاضة حين اندلعت عام 2000، أعادت كلّ مكتسبات أوسلو إلى نقطة الصفر. وعندما يتطلّب الواقع السياسي والوطني عاصفة ميدانية، سيكون الغاز وتصاريح عمّال الداخل أضراراً جانبية لن يفكّر فيها أحد».
ويقدَّر العائد الاقتصادي السنوي من الاتفاق بـ1.5 مليار دولار سنوياً. وبحسب أبو جياب، فإن حصّة «صندوق الاستثمار الفلسطيني»، باعتباره جهة مطوِّرة، تقدَّر وفق المعلومات الأوّلية بـ27%، فيما «شركة اتّحاد المقاولين» (CCC) ستحصل أيضاً على حصّة مماثلة. أمّا السلطة، بصفتها جهة مالكة، فستحصل على حصّة قدْرها 30% من عائدات كلّ الأطراف (إيجاس، صندوق الاستثمار، واتّحاد المقاولين)، بينما الشركة المصرية تتراوح حصّتها ما بين 40 و45%. وبالنسبة إلى الفائدة الإسرائيلية، فستتمثّل في مساهمة السلطة في دفْع تكاليف خطوط نقل الغاز بين فلسطين ومصر، حيث ستقتطع تل أبيب تلك التكاليف من واردات الغاز الذي سيمرّ عبرها إلى السلطة.