تنتابُ الشاب خليل علي، مخاوف شديدة من نقطة بيع الغاز المُجاورة لمنزله، الواقع وسط مُخيم جباليا في قطاع غزة. فإلى جانب كونها غير مُرخصة ومُخالفة للمُواصفات ومعايير السلامة، هي تفتقر لأدنى مُستلزمات الإطفاء، ما يجعله يخشى احتراقها وانفجارها، ويتهيّب الخسائر البشرية التي ستطاول العمال فيها والزبائن والمارة وسكان الحي، فضلاً عن تلك المادية التي ستلحق بالمنازل والمحلات المجاورة.
يرى ابن الخمسة وثلاثين عاماً، في نقاط الغاز المُنتشرة في الشوارع وفي الأحياء السكنية مصدراً للموت العشوائي؛ وهي صورة تكونت في مُخيَّلته جراء الحوادث المستمرة، التي شهدتها نقاط مشابهة.

يقول علي إن «نقاط الغاز العشوائية تُمثّل صواعق موت في كل مكان، وخطراً يُهدِّد أرواحنا وممتلكاتنا، خصوصاً مع تزايد أعدادها، وتعرض بعضها للحريق أو الانفجار».

ويرجعُ مُهتمّون زيادة عدد هذه النقاط إلى ارتفاع نسبة الاحتياج للغاز، وغلاء أسعاره وأزمات انقطاعه المتتالية، ولجوء أصحاب وسائل النقل والمواصلات إلى تشغيلها باستخدام الغاز، الأمرُ الذي راق كثيرين ودفعهم إلى إنشاء نقاط مُخالفة لبيع هذه المادة، على حساب المخاطرة بأرواح وممتلكات الآخرين.

يعمل معظم تلك النقاط من دون تراخيص رسمية، طبقاً لروايات متطابقة؛ ويوضح عاملٌ في إحدى النقاط: «هذه النقطة تعمل منذ أكثر من عامين من دون ترخيص، فالوضع المعيشي مُتردّ، لكن ما باليد حيلة وهاي رزقتنا، ومعظم نقاط القطاع بلا تصاريح».

يستشعر هذا العامل، المفتقر لوسائل السلامة، الخطر، ويُقرّ أن بيئة عمله غير آمنة، فقد تشتعل النيران في النقطة، لأسباب عدّة، ما قد يتسببُ بانفجارها، ويُخلّف كارثة كبيرة، وفق تعبيره.

لا يأخذ أصحاب النقاط العشوائية في الاعتبار سلامة العمال والمواطنين، ويهرعون نحو إنشاء نقاط هشة، وحشرها في دكاكين، وأحواش، وأرصفة، أو لصقها بجوار محلات ومبان سكنية، وورش وبأماكن مكشوفة تتعرض فيها لحرارة الشمس، والرياح، وعوامل أخرى قد تتسبب في احتراقها.

يقول محمد، صاحب نقطة للغاز: «لا يوجد عملٌ آخر. هذا ما دفعني إلى العمل في مهنة الموت من دون أن أحصل على شهادة مزاولة مهنة. لا توجد بدائل أخرى لتوفير لقمة العيش لي ولعائلتي المكونة من 5 أفراد».

ويُضيفُ: «أشتغلُ في هذه المهنة من دون ترخيص منذ أكثر من عامين. أوصل الأسطوانات الفارغة مع أنبوب جهاز التحويل الذي يتصل مع أسطوانة كبيرة سعة 48 كيلوغراماً، وأتلقّى مقابلاً عن كل كيلو (5 شواقل) من الزبائن».

وحول مراقبة الجهات المختصة يقول: «أتخفَّى عنهم من خلال مخزن صغير بين منازل المواطنين، لكني أحاول ادِّخار مبلغٍ من المال يمكنني إنشاء محطة مرخصة تعمل بشكل نظامي، نظراً لأن الكلفة مُرتفعة»، مُطالباً الجهات المعنية بتسهيل الإجراءات للمُوزعين الجدد.

تعددت حوادث نقاط الغاز، ففي السابع من آذار 2020، ارتفعت ألسِنةُ اللهب عدّة أمتار، جراء نشوب حريق في سوق مخيم النصيرات وسط غزة، بسبب تسريب غاز من صهريجٍ، تم تحويله من ثابت إلى مُتحرك، من دون الالتزام بمعايير الأمن والسلامة، ما تسبب بمقتل 23 شخصاً وجرح 49 آخرين، بينما بلغت إحصاءات الأضرار، 30 محلاً، و40 بسطة، و18 مركبة.

وبحسب مدير الأمن والسلامة في الدفاع المدني، محمد المغير، فإن نحو 70% من النقاط العشوائية موجودة في محافظة غزة، والسبب حركة السير الكبيرة، ومركزية المدينة. ويقول المغير: «الموضوع خطرٌ جداً، وسجلنا العديد من حوادث الاحتراق في النقاط العشوائية، وهناك العديد من الدراسات تتحدث أنه في حال اشتعال أسطوانة بحجم 48 كغم فإن قطر دائرة الخطر يكون عشرة أمتار».

تشابك مسؤوليات
ويحظُرُ قانون الدفاع المدني رقم (3) لسنة 1998، وفق المغير، تعبئة الغاز بين المواطنين، وفي حال جرى ضبط أسطوانات الغاز وأجهزة التحويل، فإنه يتم التحفظ عليها وتسليمها للنيابة، فيما أظهرت بعض محاضر الضبط أن صاحب المحطة هو الموزع نفسه؛ لكن المسؤول في الدفاع المدني، يؤكّد أن المسؤولية وحدها ليست ملقاة على عاتق جهازه.

ويوضح وكيلُ وزارة الحكم المحلي، إبراهيم رضوان، من جهته، أنه «يوجد تشابك في المهام بين الجهات المسؤولة عن مراقبة نقاط تعبئة الأسطوانات العشوائية بين الأحياء السكينة»، مُؤكداً أن المهام تتكامل بين وزارة الاقتصاد، والدفاع المدني، والبلديات، ومباحث التموين، والهيئة العامة للبترول «وهنالك نصوصٌ قانونية واضحة بهذا الشأن، لكن المُعضلة في كيفية تطبيقها».

وحول دور البلديات في متابعة مثل هذه المهن العشوائية يُؤكّد أن «دورها يكمن في إصدار رخصة ممارسة حرفة، لكن قبل الموافقة عليها، يجب أن يحصل المتقدّم على موافقات من قبل جهات عديدة منها وزارة الاقتصاد، والدفاع المدني، ووزارة العمل، وهذا يضع الجميع أمام طائلة المسؤولية»، منبهاً إلى أن البلدية لا تستطيع اتخاذ أي إجراءات قانونية رادعة، لكل من يمتلك منشأة بيع غير مرخصة، كونها جهة تنفيذية وليست قضائية.

يذكر أن بلدية غزة في تصريح لها أخيراً، قالت إنها أغلقت نحو 105 نقاط غاز عشوائية بشكل إداري، وصادرت أجهزة التعبئة والموازين والأسطوانات، ووجهت إخطارات لأصحاب هذه النقاط العشوائية، كما حوّلت بعض الملفات لجهات الاختصاص لاتخاذ المقتضى القانوني بحق المخالفين.

وشددت على أن «الحملة مستمرة، ولا يمكن التهاون مع هذه النقاط التي تعرض حياة الناس للخطر، بخاصة أن ثمة العديد من الحوادث المميتة وقعت بسببها».