لم يتأخّر الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، في حسم قراره في شأن تشكيل الحكومة، مختاراً مِن بين مروحة سيناريوات نقل التفويض إلى رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، على رغم إدراكه الصعوبات التي قد تحول دون نجاح الأخير في المهمّة. لكن البديل من ذلك كان تفويض رئيس كتلة "يمينا"، نفتالي بينت، الذي وجد ريفلين أكثر من دافع لتجنّبه، تماماً مثلما حاذر نقل التفويض إلى "الكنيست"، والذي من شأنه أن يدحرج الأمور سريعاً نحو انتخابات خامسة. مع هذا، فقد استند ريفلين في قراره إلى حصول لبيد على توصية 56 عضو "كنيست"، وتأكيد رئيس "القائمة الموحّدة"، منصور عبّاس، أنه "سيتعاون بإيجابية مع أيّ شخص يتمّ تكليفه بمهمّة تشكيل الحكومة". وأتى القرار في أعقاب سلسلة مشاورات أجراها ريفلين مع رؤساء الأحزاب، حول هوية مرشّحهم لتشكيل الحكومة.وكان نتنياهو فشل في التأليف خلال المهلة القانونية المحدَّدة له (28 يوماً)، وأعاد التفويض إلى الرئيس بعدما لم يطلب تمديد فترة التكليف 14 يوماً وفق ما يتيحه القانون، خاصة أنه لم ينجح في عقد أيّ اتفاقيات مع أيّ من الكتل التي يُفترض أن يُشكّل معها الحكومة. إزاء ذلك، وجد ريفلين نفسه أنه أمام مروحة مُحدَّدة من الخيارات التي يسمح بها القانون: تكليف بديل من نتنياهو، أو نقل التفويض إلى "الكنيست" كي يختار اسماً يحظى بتأييد 61 عضواً، علماً أن الخيار الأوّل، وفقاً لخارطة التحالفات وموازين القوى في "الكنيست"، انحصر بين لابيد وبينت. ولا يعني تكليف لبيد أن الطريق أمامه معبّدة، بل إن هنالك الكثير من العراقيل التي قد تؤدّي إلى فشله، لاسيما وأن فرصه في إنجاز هذه المهمّة، من دون ضمّ بينت ورئيس حزب "أمل جديد" غدعون ساعر، تبدو معدومة. لذا، فإن إمكانية الإطاحة بنتنياهو من هذا المنصب مرهونة بالاتفاق مع بينت على التناوب على رئاسة الحكومة. والظاهر أنه يمكن بحسب القانون، أن يُكلَّف لابيد بمهمّة تشكيل الحكومة، في حين أن مَن يقوم بها عملياً هو بينت، ليترأّس الأخير الحكومة أيضاً، ضمن اتفاق مُحدَّد. ومع تكليف لبيد، يكون الرئيس الإسرائيلي تجنّب السيناريوين البديلَين: تكليف بينت، أو نقل التفويض إلى "الكنيست". إذ في ما يتعلّق بالأول، يرى ريفلين أن إمكانية تشكيل حكومة يمينية استُنفدت، وبالتالي فإن أيّ صيغة أخرى يمكن أن تتحقّق من خلال تكليف لبيد. أمّا السيناريو الثاني، والذي يشكّل بديلاً اضطرارياً، فيمنح القانون، بموجبه، "الكنيست" فترة تصل إلى 21 يوماً لتقديم توصية مُوقَّعة من 61 عضواً بتكليف مرشّح بعينه. كما يسمح بالتوصية بالمرشّحين السابقين اللذين فشلوا في مهمّة التشكيل. وفي حال اتفقت الأغلبية على مرشّح، فإن المهلة القانونية لإنجاز المهمّة محدّدة بـ14 يوماً فقط.
هكذا، في حال انسداد طرق لبيد إلى تشكيل الحكومة، ستجد إسرائيل نفسها، مرّة أخرى، أمام انتخابات خامسة خلال أقلّ من ثلاث سنوات. وعلى رغم أن هذا السيناريو مرفوض ابتداءً من المعسكرين، إلا أنه يبقى أهون الشرور بالنسبة إلى كلّ منهما. فبين تشكيل حكومة يكون هو خارج إطارها الرئاسي (الرئاسة الدائمة أو التناوب)، وبين انتخابات خامسة، فإن نتنياهو يفضّل الخيار الأخير، حتى لو أنه سيخوض المعركة هذه المرّة من موقع أضعف ربّما. والسبب أنه خاض الانتخابات الأخيرة متّكئاً على إنجاز التلقيح ضدّ "كورونا"، أمّا في الانتخابات المقبلة فسيكون هذا العامل أقلّ حضوراً لدى جزء من الناخبين. كذلك، فإن تشكيل حكومة بمعزل عنه سيجرّده من الورقة الوحيدة التي يتسلّح بها (رئاسة الحكومة) ويحاول من خلالها التأثير في مجرى محاكمته، في حين أن الانتخابات المفتوحة تُبقيه رئيساً للحكومة الانتقالية، على أمل تحقيق اختراق يُكرِّسه رئيساً للحكومة. في المقابل، فإن لابيد وحلفاءه يُفضِّلون أيضاً الانتخابات على حكومة يرأسها نتنياهو وتمنحه قوة النفوذ والتأثير في مجرى الأحداث.
يحاول نتنياهو شقّ صفوف «يمينا» لقطع الطريق على حكومة بديلة


في خضمّ هذه الأجواء، يحاول نتنياهو أن يلعب ورقة الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، كمخرج للأزمة التي تواجه إسرائيل، وبالطريقة التي يضمن فيها فوزه، كما يرى العديد من المعلّقين. ففي أيّ عملية تنافس بين نتنياهو ولابيد، فإن الجمهور اليميني، في أغلبيته الساحقة، لن يُفضِّل الأخير على الأوّل، حتى لو كان لديه موقف سلبي من نتنياهو. وإذا ما شارك أيّ من المنافسين اليمينيين الآخرين، فإن فرصه في الفوز ستكون ضئيلة جداً، ولن تؤدّي مشاركته إلّا إلى إضعاف نتنياهو بنسبة معيّنة فقط.
وبالتوازي مع تكليف لبيد وبدئه مساعيه لتشكيل الحكومة، كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية أن نتنياهو يسعى إلى شقّ حزب "يمينا" من خلال إغراء إيلييت شاكيد، بمنحها وزارة القضاء وضمان 3 مقاعد لها ولِمَن معها في قائمة مرشّحي "الليكود" إلى الانتخابات المقبلة. وعلى ما يبدو، فإن الهدف الرئيس من هذا المسعى يتمثّل في إضعاف فرص تشكيل حكومة بديلة، لأن انشقاق شاكيد لن يحلّ لنتنياهو المشكلة، إذ سيبقى محتاجاً إلى المزيد من أصوات أعضاء "الكنيست" كي يضمن أغلبية برلمانية. ومن المتوقّع أن يتمّ الكشف لاحقاً عن المزيد من المحاولات التي يبذلها نتنياهو لشقّ صفوف كتل أخرى، وتحديداً حزب "أمل جديد"، كون ذلك الخيار الأقلّ كلفة له في حال نجح فيه.
في كلّ الأحوال، أثبتت المحطّات التي مرّت بها الأزمة الحكومية الإسرائيلية، أن هذه الأزمة ستظلّ مفتوحة على مروحة من السيناريوات، بما فيها اجراء انتخابات هي الخامسة منذ مطلع العام 2019. ويعود ذلك إلى مجموعة عوامل رئيسة، من ضمنها وعلى رأسها الموقف من نتنياهو، إضافة إلى جملة تحوّلات مرّ بها المجتمع الإسرائيلي، ومن أبرزها تأجُّج الصراعات الأيديولوجية، خاصة في ما يتعلّق بالصراع العلماني مع "الحريديم". وهي عوامل سابقة لأزمة نتنياهو، وستبقى أيضاً بعد رحيله، وإن كانت ستتّخذ أشكالاً ومظاهر مختلفة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا