على رغم من بدء حملة التلقيح في لبنان، عاش أغلب أبناء المخيمات الفلسطينية حالة من التردّد تجاه التسجيل على المنصة لحجز دور لهم للحصول على اللقاح. البعض كان يتخوّف من "الآثار السلبية للقاح"، آخرون اعتقدوا أن فيروس "كورونا" ما هو إلا مؤامرة، وللبعض الآخر الفيروس مجرّد "رشح قوي" لا يحتاج إلى تلقيح.
لكن، مع بدء حملة تلقيح الطواقم الطبية اللبنانية والفلسطينية، بدأت تتبدّل النظرة تجاه الموضوع. وهو ما يعبّر عنه رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح "كورونا" عبد الرحمن البزري، لـ"الأخبار"، بالقول إن "توفير المعلومات الصحيحة للمجتمع ينعكس إيجاباً على أخذ اللقاح". حتى الآن، هناك، بحسب البزري، تدني في نسبة تسجيل الفلسطينيين على المنصة الرسمية، وهي لا تتعدى الـ 3%؜.

يشرح البزري أن التلقيح هو مسألة حرّية للشخص، ولا يمكن "تلقيح شخص لا يريد ذلك". لكن وبما أن مسألة اللقاح تعني الجميع، وهي تؤمّن الحماية للمجتمع، يرى البزري أنه يجب اتخاذ عدة خطوات لحث الفلسطينيين على التلقيح، منها تأمين كمّيات كبيرة من اللقاحات، عبر المؤسسات الأهلية الفلسطينية ورجال أعمال فلسطينيين، على أن تكون بإشراف وزارة الصحة اللبنانية وبتصرّف اللجنة الوطنية لمكافحة الوباء. ثانياً، تقريب مراكز التلقيح مع إمكانية استخدام عيادات "الأونروا" إذا ارتفعت نسبة المسجلين الفلسطينيين. ثالثاً، مخاطبة المؤسسات الأهلية الفلسطينية واللجان الشعبية للتسجيل ولحث سكان المخيمات على ذلك.

ويلفت البزري إلى أهمية التلقيح كبرنامج وطني هدفه تلقيح عدد كبير من المقيمين على الأراضي اللبنانية من بينهم الفلسطينيون، وجمع معلومات ديموغرافية لكل مَن حصل على اللقاح لكي تتم معرفة نسبة المناعة في كل منطقة. وهو يشير إلى أنه إذا ارتفعت نسبة المسجّلين الفلسطينيين ربما "يتم انشاء منصة مركزية موازية للمنصة الرسمية لتخفيف الضغط ونقل المعلومات أسرع للمنصة الرسمية لأن ما يهمّنا هو نسبة المناعة".

وقد أنشأت إدارة مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا، بالتعاون مع السفارة الفلسطينية، وحدة مكافحة كورونا، بإشراف مسؤول الوحدة الدكتور زياد أبو العينين. الأخير يوضح، لـ"الأخبار"، أن وحدة مواجهة "كورونا" مؤلفة من أطباء وممرضين ومسعفين ومتطوعين يزورون جميع المخيمات بشكل أسبوعي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ويتم تزويد المصابين بالدواء والإرشادات الصحية بالإضافة إلى الفحوصات (pcr). وتم تجهيز قسم خاص للكورونا في الطابق الخامس في مستشفى الهمشري التابع للهلال الأحمر الفلسطيني بالتعاون مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وبشراكة ألمانية. ويطالب أبو العينين الفلسطينيين بالالتزام بارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وغسل اليدين لكي يتم تخفيف العبء على الطاقم الطبي الفلسطيني.
من جهته، يأسف مدير عام هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، من استهتار بعض الفلسطينيين بصحتهم بعد ارتفاع عدد الإصابات، إذ ثمّة فئة كبيرة ما زالت تعتقد أن "كورونا" مؤامرة. ويقول إنه ولكي يتم نسف هذه الإشاعات لا بد أن يُدَق ناقوس الخطر، خصوصاً من طرف "الأونروا" المعنيّة بأوضاع اللاجئين، والإسراع بدورها، لجهة نشر الوعي بخطر هذا الوباء الذي اجتاح البلاد من دون تمييز، وبضرورة التسجيل على المنصة. ويلفت الهويدي إلى أن ظاهرة عدم التسجيل لا تقتصر على أبناء المخيّمات "فالدولة المستضيفة تعاني من ذلك، لكن نتحدث عن اللاجئين باعتبار أن المخيمات مكتظة سكانياً و بنيوياً وهي معرَّضة أكثر من غيرها من المناطق للإصابة".

من جهته، يقول أمين سر اللجان الشعبية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" في منطقة صيدا عبد الرحمن أبو صلاح، إن عمل اللجان الشعبية مستمر منذ دخول الوباء إلى مخيّم عين الحلوة، وتم وضع خطة للمواجهة بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية، ودفع مبالغ مالية وشراء مواد تعقيم لكل مصاب حجر نفسه في البيت، بالإضافة إلى تعقيم الأحياء وسوق الخضار وتوزيع كمامات ونشر توجيهات لحث اللاجئين على الوقاية. وفي الآونة الأخيرة "قدّمت اللجنة مبلغ 250 ألف ليرة من منظمة التحرير إلى حوالي 600 عائلة مصابة في مخيم عين الحلوة". ويضيف: "لم يتوقف عمل اللجنة الشعبية بالتعاون مع المؤسسات الطبية ولجان الأحياء بتعقيم منازل المصابين ونقلهم إلى القسم المخصص لكورونا في مستشفى الهمشري الذي يعالج جميع الجنسيات من دون تفرقة".

و عن التسجيل عبر المنصة، يقول طبيب الطوارئ في مستشفى الهمشري وأمين سر اللجنة الصحية في عين الحلوة مجدي شحادة، إن هناك نسبة كبيرة من اللاجئين تريد التسجيل "ولكن ليس لديهم الوعي الكافي عن المنصة أو أنواع اللقاحات المتوفرة وهنا يجب على الأونروا وكل مَن يدور بفلكها كالجمعيات الأهلية رفع نسبة الوعي في المخيمات". ويفيد بأن اللجنة، المؤلفة من مؤسسات صحية في عين الحلوة، ستنفّذ خطتها تزامناً مع بدء عملية التلقيح التي فرضتها اللجنة الوطنية اللبنانية للتلقيح. وتتضمّن الخطة بث فيديوات لأطباء فلسطنيين معروفين في المخيّم تلقوا اللقاح، ليتحدثوا عن أهمية اللقاح، إضافة إلى توزيع الملصقات حول أنواع اللقاحات ولماذا يجب أخذ اللقاح، وحول كيفية التسجيل على المنصة. ويؤكد أنه سيكون في كل حي فريق صحي تابع للجنة يساعد في تسهيل عملية التسجيل.

محمد يونس، ممرّض فلسطيني يعمل في قسم "كورونا" في مستشفى صيدا الحكومي ضمن مشروع منظمة الصحة العالمية، يقول إن "أكثر ما يزعج هو التفكير غير المنطقي وغير العلمي عن تأثير اللقاح على الشخص الذي سوف يتلقاه. كما أن بعض الأشخاص لا يؤمنون بوجود فيروس كورونا، هذه أحد أسباب رفض الناس لتلقي اللقاح، وفي هذه الحالة يجب على المؤسسات الموجودة في المجتمع الفلسطيني والأونروا على وجه الخصوص العمل على نشر الوعي للمحافظة على سلامة المجتمع الفلسطيني". وينوّه بأنه في البداية كان متردداً تجاه تلقي اللقاح، لكن "في نهاية المطاف لا بد أن نستمع للغة العلم والعقل، لا للغة الشائعات والخرافات التي لا أصل لها"، لذا ينصح أبناء المخيمات بعدم التردد والمبادرة لتلقي اللقاح.