وصل الأمر بفلسطينيي لبنان وسوريا المهجرين إلى لبنان، إلى التظاهر أمام السفارة الكندية، طلباً للجوء الإنساني. لا عجب، إنه الخراب الكبير. اليوم، في هذه اللحظة التاريخية من عمر القضية الفلسطينية، يجتمع 700 فلسطيني للتظاهر والمطالبة بالهروب من جحيم مخيمات لبنان، إلى بلاد الصقيع. وهي ليست التظاهرة الأولى، بل الثالثة، خلال العامين الأخيرين، لكنّها الأكبر، والأخطر في التوقيت.طوال الأعوام الماضية، ومع موجات اللجوء السوري إلى أوروبا، تسرّب الفلسطينيون اللبنانيون والسوريون عبر الشمال السوري وعبر البحر إلى غرب أوروبا وشمالها. بعضهم غرق في مقبرة المتوسّط أو احترق في شاحنة، أو «شنشطة» على الطريق، مكمّلين ثلاثية الموت في أمثال أهل بلاد الشام.
واليوم بالكاد تجد شباباً في مخيم الرشيدية، لكنّك تجد بيوتاً للإيجار والبيع في عين الحلوة. منظّمو حملة المطالبة باللجوء قبل عامين، بات معظمهم في ألمانيا والسويد والدنمارك وكندا. المنظّمون جدد هذه المرّة. المنظّمون أو المحرّكون للتظاهرة، بعضهم مقتنعٌ ويائسٌ يبحث عن الرحيل إلى أي وجهة وبأي ثمن من ركام المخيمات، وبعضهم تحركّه جهات ومنظمات دولية في تلازم واضح ومكشوف مع واحد من أهم مندرجات صفقة القرن بتصفية ملفّ اللجوء الفلسطيني بالكامل، وعلى رأسه مخيمات لبنان ووكالة الأونروا.
أما اللاعب الأبرز، فكان أول من أمس السفارة الكندية في بيروت. فالسفن الأوروبية والكندية التي رُسم لها أن تأتي لنقل المسيحيين اللبنانيين بعيداً عن جذورهم في الحرب الأهلية اللبنانية، تعود الآن بأشكال جديدة. بكلّ وقاحة، لم يحصل منظّمو التظاهرة على ترخيص من محافظ جبل لبنان محمد مكاوي ولا من وزارة الداخلية، بل إن معلومات «الأخبار» تؤكّد قيام عدد من المنظمين، أبرزهم م. ش. وهو من فلسطينيي سوريا وناشط في ما يسمّى العمل الإنساني، بالتواصل مع أمن السفارة الكندية، وتولّى هؤلاء ترتيب التظاهرة. بل إن السفارة الكندية في بيروت هي من حدّدت موعد التظاهرة وطلبت من المنظمين الحضور صباح أول من أمس. كما قامت السفارة بفتح الموقف العمومي على الأوتوستراد في مقابل مقرّ السفارة على الخطّ البحري في جلّ الديب، ودفعت للموقف بدل إيجار وقوف الحافلات التي أقلّت المتظاهرين من مخيّمات الشمال، حيث كان العدد الأكبر من المشاركين من مخيمي البارد والبداوي، إضافة إلى أعداد قليلة من مخيمات بيروت، فضلاً عن الفلسطينيين المهجرين من المخيمات السورية.
وعلمت «الأخبار» أيضاً، أن وفداً مما يسمّى «المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة» (ICMPD) زار أمس مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة بهدف الإعداد لـ«دراسة تحليلية» بشأن «توجهات الهجرة الفلسطينية الحالية»! في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن ضغوط أميركية على دول أوروبية، وعلى كندا تحديداً، لاستيعاب أعداد كبيرة من فلسطينيي سوريا ولبنان. وبحسب المعلومات، فإن كندا وضعت مخططاً لاستيعاب ما يزيد على 100 ألف فلسطيني من مخيمات لبنان وسوريا على مدى ثلاثة أعوام، فيما يضغط الأوروبيون على إسبانيا لاستيعاب 10 آلاف فلسطيني.
أمس، تظاهر الفلسطينيون للهرب، والتزمت الفصائل الفلسطينية الصمت، وكذلك القوى اللبنانية، التي تعلن جميعها رفض صفقة القرن! ربّما عليهم انتظار التظاهرة المقبلة أمام السفارة الاسترالية، والتي يجري تنسيقها منذ الآن بالتعاون مع السفارة الاسترالية، في الوقت الذي يعاني فيه الاستراليون من أزمة انخفاض أعداد السكان ووضعهم خططاً مماثلة للكنديين.