في كل السيناريوات، بات من الواضح أن الموقف من قطاع غزة سيشكّل محوراً أساسياً يفرض نفسه على جدول أعمال الحكومة إن استمرت، فرضاً، أو ضمن محاور التنافس الانتخابي، من دون أن ينتقص ذلك من أولوية مواجهة التهديدات المتصاعدة من الجبهة الشمالية.
ومع أن نتنياهو تلا بياناً هو أقرب إلى الدعاية الانتخابية قدّم فيه ما اعتبره إنجازاته السياسية والأمنية خلال ولايته، لكنه شدد على ضرورة عدم إسقاط الحكومة، محذراً من تكرار أخطاء سابقة أدت إلى إسقاط اليمين من الحكم «عندما أسقطت جهات داخل الائتلاف حكومتي الليكود عامي 1992 و1999 حين وقعت مأساة أوسلو (1993) ومأساة الانتفاضة (الثانية 2000)، ويجب اتخاذ جميع الإجراءات من أجل الامتناع عن تكرار هذه الأخطاء».
واستهل نتنياهو مؤتمره الصحافي باستعراض «إنجازاته» على الصعيد العسكري والأمني، قائلاً إنه «كرّس حياته من أجل أمن إسرائيل»، وأنه قام «بمهمات عسكرية حساسة كاد يقتل فيها». ولم ينس أيضاً أن يوظِّف مقتل أخيه البكر في عملية عينتيبي التي هدفت في سبعينيات القرن الماضي إلى إطلاق سراح رهائن إسرائيليين. وعلى قاعدة النداء الأخير، توجه إلى شركائه في الحكومة بالدعوة إلى «القيام بكل ما هو ممكن في محاولة أخيرة» لمنع انهيارها.
ويسعى نتنياهو إلى المحافظة على الحكومة إلى آخر عهدها، مبرراً ذلك بأنه «لا يستطيع أن يشارك الجمهور بالصورة الموجودة لدى الاجهزة الأمنية». وفي الوقت نفسه، يهدف إلى كسب المزيد من الوقت الذي يمكنه من تبديل الصورة التي ارتسمت لدى الرأي العام حول ضعف المستوى السياسي في إدارة أكثر من تحدّ. مع ذلك، فإن تضافر مجموعة عوامل بعضها مع بعض (الغموض الذي يلف ملفه القضائي/ الاعتراض الشعبي على أدائه في مقابل قطاع غزة/ التنافس على كسب التأييد الجماهيري...) سوف يسهم في الدفع نحو مزيد من التشدد ضد الفلسطينيين على المستويين الأمني والسياسي. وهو ما لمّح اليه وزير المواصلات والاستخبارات، إسرائيل كاتس، بالقول «ليكن واضحاً أنه لا يوجد حل سياسي مع غزة. لا يوجد تسوية مع حماس. يجب على إسرائيل أن تضرب حماس وتستعيد الردع الذي تآكل. لا يمكن مواصلة هذا الوضع القائم، لا يمكن إقامة توازن ردع متبادل مع منظمة إرهابية مثل حماس التي هدفها تدمير دولة إسرائيل». على هذه الخلفية، يتوقع أن تتحول الاحتكاكات بين الطرفين إلى دعوة لإظهار المزيد من العدوانية بهدف احتواء مفاعيل المواجهة الأخيرة، وقلب الصورة.
إجراء انتخابات في هذه «الفترة الأمنية الحساسة» هو عمل غير مسؤول
من جهتهم، اتفق المعلقون الإسرائيليون على أن تقديم موعد الانتخابات سيقلّل من مساحة المناورة أمام نتنياهو في مقابل غزة، والصحيح أيضاً، أن استمرار الحكومة إلى آخر ولايتها، أو لأشهر إضافية، سيفرض عليها أداءً أكثر حزماً إزاء غزة. ويعود ذلك إلى أن الرأي العام الإسرائيلي غير راض عن التعامل مع الأزمة في قطاع غزة. وأظهرت استطلاعات الرأي أن جزءاً كبيراً من الإسرائيليين يفضلون قيام الجيش بتوجيه ضربات قاسية لحركة حماس. مع ذلك، يواجه نتنياهو في ما تبقى من عمر حكومته، خيارات مربكة انطلاقاً من أن «التسوية الكاملة مع حماس سيعرضها المعارضون لها كاستسلام آخر للإرهاب. واستمرار الوضع الراهن يعني التعرض للهجمات الصاروخية، بأعذار مختلفة، كل بضعة أسابيع، في حين ستطارده صور الذعر والغضب في مستوطنات غلاف غزة، طوال الحملة (وقد أصبحت احتجاجات سكان الجنوب العاصفة ضد الحكومة أكثر اتساعاً مما كانت عليه في الأشهر السابقة). لكن نتنياهو يتردد في خوض حرب مع حماس، خوفاً من أن تطول، وتسبب خسائر ولا تحقق أهدافها المعلنة».
في ضوء هذه السيناريوات يأتي ما أورده المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، الذي اختار نقل رسائل المؤسسة العسكرية إلى الطرف الفلسطيني، بالقول إنه في حال «اختارت حماس أن تُدهور مرة أخرى، لأي سبب كان، الوضع الأمني على طول حدود القطاع، فإن الجيش جاهز للهجوم خلال دقائق معدودة، لا ساعات ولا أيام. كما أنه لن تكون هناك استيضاحات مطولة لقضايا مثل من أطلق النار وأين. خطة الجيش الإسرائيلي التي أصبحت جاهزة واستعرضت أمام «الكابينت»، في الأسابيع الأخيرة، ستنفذ».