سلفيت | في عملية فردية جديدة، ويظهر أنها مدروسة جيداً، نجح شابٌّ فلسطيني كان يعمل في أحد المصانع داخل مستوطنة إسرائيلية، بالدخول ببندقيته متجاوزاً إجراءات الحراسة المشددة لينفّذ بسرعة إطلاق نار قتل فيه مستوطنيْن اثنين. بعد ذلك، نجح في الانسحاب من المكان رغم طبيعة المنطقة التي تعجّ بالمستوطنات، لتبدأ رحلة مطاردة جديدة، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان قصة الشهيد المقاوم أحمد جرار قرب نابلس، وأيضاً عملية الأسير عبد الكريم عاصي التي نُفذت على بُعد نحو 9 كيلو مترات من عملية أمس. العملية وقعت صباح أمس في مستوطنة «بركان» الصناعية، شمال غرب سلفيت، وسط الضفة المحتلة، وقُتل فيها إسرائيليان وأصيب آخر بجروح خطيرة، فيما وصفها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بـ«العملية الصعبة».في التفاصيل، دخل شابٌّ فلسطيني المنطقة الصناعية في المستوطنة، وتوجّه إلى المكاتب الإدارية في الطبقة الثانية لأحد المصانع، وأطلق النار من بندقية «كارلو» المصنعة محلياً، ثم نجح في الانسحاب من المنطقة. إعلام العدو نقل عن جهاز «الأمن العام الإسرائيلي» (الشاباك) اتهامه أشرف نعالوة (23 عاماً)، من ضاحية شويكة شمال طولكرم، بتنفيذ العملية، وأنه كان يحمل تصريحاً رسمياً يخوّله دخول المستوطنة، بل عمل فيها سابقاً لنحو سبعة أشهر. وقد حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية في البداية تسويق العملية كحادثة «انتقام» لدوافع شخصية وخلافاتٍ بين نعالوة ومدير المصنع، لكن غياب حوادث شبيهة في مستوطنات الضفة شكك في صدقية هذه الرواية، إلى أن أعلن جيش العدو لاحقاً أن خلفية العملية «قومية». ووفق موقع «والّا» العبري، لم يستغرق تنفيذ العملية سوى 10 دقائق، لكن خللاً أصاب بندقية المنفذ منعه من مواصلة إطلاق النار، فيما ساهم «ضجيج الآلات والمعدات في تسهيل انسحاب المنفذ بأريحية وسرعة دون أن يعترضه أحد».
و«بركان» من كبرى المناطق الصناعية في مستوطنات الضفة، حيث تحوي مئات المصانع، وهي المرة الأولى التي تنفذ فيها عملية فدائية داخل مصانعها وينجح منفذها بالانسحاب، كذلك لا يمكن الدخول إليها إلا بواسطة تصريحٍ رسمي من «الإدارة المدنية» التابعة للعدو، وذلك بعد موافقة من «الشاباك». وعلمت «الأخبار» أن قتيلَي العملية يعمل أحدهما مدقق حسابات (محاسب) في المصنع والأخرى سكرتيرة فيه، نافية ما أوردته وسائل إعلام فلسطينية نقلاً عن إعلام العدو أن مدير المصنع من قتلى العملية.

«جرار» مجدداً
منذ اللحظات الأولى، سارع جيش العدو إلى إغلاق الطرق والمفترقات كافة في محافظة سلفيت بحثاً عن منفذ العملية الذي ظهر في شريط مصوّر لكاميرا مراقبة أثناء انسحابه من مصنع المستوطنة. ووفقاً لمصادر محلية، أغلق العدو الطريق بين مفترق بلدة قراوة بني حسان ومعظم بلدات المنطقة الغربية لسلفيت، واستولى على بعض تسجيلات كاميرات المراقبة من محلات تجارية في البلدات القريبة من مكان العملية. كذلك، نشر العدو حواجزه العسكرية في مناطق مختلفة سرعان ما امتدت لتطاول مدناً أخرى، وقرر أيضاً إغلاق حاجز «عناب» شرق مدينة طولكرم، ونصب حاجز على مدخل نابلس الجنوبي (قرب قرية جيت).
غطى ضجيج المصانع على صوت إطلاق النار، ما أتاح للمنفذ الهرب


في غضون ذلك، اقتحم جنود العدو مدعومين بأكثر من 12 آلية عسكرية منزل نعالوة في ضاحية شويكة، شرق طولكرم، وحدث استجوابٌ للعائلة واعتقال أربعة فلسطينيين على الأقل، من بينهم صديقٌ للشاب نعالوة تقول أجهزة أمن العدو إنه «يحتفظ بوصية منفذ العملية ويعمل معه في المصنع نفسه». ونقلت مصادر محلية أن قوات أخرى من جيش العدو اقتحمت بلدة بيت ليد شرق طولكرم، ودهمت منازل عددٍ من أصدقاء المنفذ وفلسطينيين مقرّبين منه واعتقلت اثنين.

من هو المنفذ؟
تقول المصادر المحلية إن الشاب الذي يتهمه العدو بتنفيذ العملية هو أشرف وليد سليمان نعالوة، من مواليد 1995، وحاصل على شهادة الثانوية العامة في الفرع التجاري عام 2013 بمعدلٍ 81%، ثم حاز شهادة البكالوريوس من «جامعة فلسطين التقنية - خضوري» في طولكرم. ويصفه بعض زملائه من العمال الفلسطينيين بأنه «شاب بسيط وهادئ». وكان نعالوة قد نشر قبل ساعات من تنفيذه العملية على حسابه في «فايسبوك» منشوراً قال فيه: «اللهم بشرني بما أنتظره منك، فأنت خير المبشرين»، كذلك رُصِد منشورٌ له قبل شهرٍ عقّب فيه على ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، قائلاً: «لن ننسى ولن نسامح». لكن حساب الشاب اختفى من موقع التواصل بعد نحو أربع ساعاتٍ من العملية.
تعقيباً على العملية، باركت الفصائل الفلسطينية ما حدث، إذ قالت حركة «حماس» إنها «تعكس حيوية شعبنا وديمومته في مواجهة جرائم الاحتلال بغزة والخان الأحمر والاستيطان في الضفة... رسالة العملية تأكيد لاستمرارية انتفاضة القدس وفشل كل محاولات إخماد إرادة شعبنا». كذلك، قالت «الجهاد الإسلامي»، إن العملية رد على جرائم الاحتلال، وإنها جاءت «في توقيت بالغ الأهمية». أيضاً، أشادت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بالعملية، معتبرة أن تنفيذها «والاشتباك المباشر على بعد أمتار قليلة يشكّلان اختراقاً نوعياً للحصون الأمنية الصهيونية، وصفعة لمعسكر ترامب ومشروع التصفية».