غزة | لم تكن أوضاع قطاع غزة بحاجة إلى مزيد من الضغط لتقرر السلطة الفلسطينية زيادة الطين بلة، بسلسلة إجراءات شملت حتى موظفيها، ومن ضمنها الحسومات التي طاولت رواتبهم، وهم الذين أمرتهم قبل 11 عاماً بالجلوس في بيوتهم، وهددت من يعود إلى دوامه بالفصل. وأياً يكن مبررات السلطة الآن بشأن ملف المصالحة الداخلية، فإن الأزمة المستمرة لا يدفع فاتورتها سوى الحلقة الأضعف مادياً في المنظومة الاقتصادية، أي الموظفين الحكوميين.لم تقف المشكلة عند حدود ما حُسم من الراتب (بنسب تتفاوت ما بين 35-60%)، إذ واصلت البنوك حسم ما لها من قروض أو معاملات الدين، وكذلك الرسوم التقليدية، ما ينتهي ببعض الموظفين إلى أقل من 10 دولارات من رواتبهم، وهو واقع حل كالمأساة على عائلات كثيرة اضطرت إلى ابتكار وسائل «غريبة» لإنقاذ بقية الراتب.
يقول عدد من العائلات إن بعض زوجات الموظفين اضطررن إلى رفع «دعاوى وهمية» ضد أزواجهن، ضمن ما يسمى دعاوى النفقة الزوجية ونفقة الأولاد وكذلك «نفقة أثاث البيت» المسجّل للدفع المؤخر في عقد الزواج، وذلك بعدما اكتشفن أن هذه الديون ضد الزوج تعدّ في المحاكم الشرعية في غزة ديوناً «ممتازة»، أي إن لها النصيب الأول في عملية الحسم من راتب الزوج وحق الأولوية في السداد قبل القروض وغيرها، بما أنها صادرة عن محاكم، وهنا يجد البنك صعوبة في الحسم من الكفيل.
تقول أم حسن (40 عاماً)، وهي إحدى النساء اللواتي فعلن هذه الخطوة، إن زوجها أُحيل على التقاعد المبكر في موجة التقاعد الأخيرة التي طاولت موظفي السلطة، مع أنه لا يزال في الأربعينيات من عمره. تضيف: «رغم أنني أعيش معه بلا مشكلات، فإنني قدمت ضده دعوى نفقة زوجية... راتب زوجي 1200 شيقل (330 دولاراً تقريباً)، ولكونه يستفيد من قرض، لا يبقى من راتبه سوى 300 شيقل (80 دولاراً تقريباً)، هذا كارثة علينا، لأننا نعيش في منزل بالإيجار ولدينا أربعة أبناء». وفعلاً حكمت المحكمة الشرعية لها بمبلغ 250 شيقل (70 دولاراً تقريباً)، لكن أم حسن تقول إنها لم تتقاضَ شيئاً بعد بسبب بطء الإجراءات ما بين المحكمة الشرعية و«هيئة التأمين» والمعاشات.
تعقيباً على ذلك، يقول المحامي عبد الله شرشرة إنه ورد لدى المحامين أن بعض الزوجات يرفعن قضايا نفقة، وعند التنفيذ يبلغ القاضي بوجود حساب بنكي وراتب شهري يصرف عبره، «فيحجز القاضي على قيمة النفقة من راتب زوجها، وفي النهاية يعود المبلغ الذي تسلّمته الزوجة من البنك إلى زوجها». ويوضح شرشرة أن قيمة النفقة الزوجية تراوح بين سبعين إلى مئة وعشرين ديناراً أردنياً (بين 100 إلى 170 دولاراً) وفقاً لما يحدده القاضي، و«النفقة في هذه الحالة من الديون الممتازة التي تتمتع بالأولوية في السداد عن باقي الديون».
أما الثلاثينية علا جمال، فكان حظها أوفر من أم حسن، لأنها استطاعت أن ترفع دعوى نفقة زوجة وأولاد بصفتها تحت السن القانونية للنفقة. وقد نصحتها صديقتها برفع القضية، رغم أنها تعيش معه في البيت نفسه، وهي الآن تحصل على ربع قيمة راتب زوجها كديون ممتازة بموجب قرار المحكمة الشرعية. تقول جمال: «لولا حصولي على 500 شيقل شهرياً (140 دولاراً تقريباً) من راتب زوجي، لكنا اضطررنا إلى التسول... لم نفعل ذلك إلا بسبب حسومات السلطة والبنك».
وكانت السلطة قد بدأت إجراءاتها العقابية، التي تقول إنها تستهدف الضغط على حركة «حماس» لتسليم الصلاحيات لها كاملة في غزة، منذ 16 شهراً، أي بدءاً من راتب آذار 2017 حتى الآن. وتسلسلت هذه الحسومات بعدما بدأت بقيمة 30%، وصولاً في الأشهر الثلاثة الماضية إلى 50% من قيمة الراتب الأساسي للموظف.