لم يكن مقبولاً في ثمانينات القرن المنصرم إقامة سباق «جيرو دي إيطاليا» في أفريقيا، والسبب هو الأبرتهايد (نظام الفصل العنصري) الذي كان قائماً هناك. أمّا اليوم، فيبدو أنّ المعايير السياسية اختلفت، أقلّه لدى منظِّمي الحدث الرياضي الضخم، حيث قرَّر هؤلاء توسيع نشاطهم، مجتازين حدود أوروبا، وصولاً إلى إسرائيل. السباق الذي انطلق صباح اليوم، يجوب المدينة المحتلة، ماراً على أكثر من ثلاثين قرية مهجّرة. السباق الذي يُعدُّ ثاني أكبر السباقات الدوليّة للدراجات الهوائية، كلّف إسرائيل أكثر من 33 مليون دولار أميركي، منها 12 مليوناً للقائمين عليه. وبذلك، نجحت الحكومة الإسرائيلية في إقناع هؤلاء بتنظيمه في دورته الحاليّة في القدس، احتفالاً بمرور 70 عاماً على تأسيس الكيان. وينقسم السباق إلى ثلاث مراحل؛ المسار الأول في القدس، والثاني في المناطق المحتلة عام 1948 حيث يبدأ من حيفا وينتهي في تل أبيب، والثالث من النقب وصولاً إلى إيلات.

السباق يشرع الاحتلال
توجهت أكثر من منظّمة داعمة لفلسطين، وعلى رأسها حركة المقاطعة العالميّة «BDS»، مراراً، إلى القائمين على «جيرو دي إيطاليا». وطالب هؤلاء بإلغاء السباق باعتبار أنه «يُضفي شرعية على دولة أبرتهايد استعمارية وعسكرية، تضطهد الفلسطينيين على مدار عقود منذ (قيامها) وحتى أيامنا هذه».
لكن اللجنة المنظمة «أدارت الأذن الصمّاء»، متجاهلة كونها تدعم الحكومة الإسرائيلية بالترويج للقدس المحتلة على أنها «عاصمتها الموّحدة». وأن سباقها يعتبر احتفالاً صريحاً بـ«عيد الاستقلال» الذي يصادف مرور سبعين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني. فضلاً عن أن شركات إسرائيلية عدة راعيّة للحدث الرياضي، تنشط في المستوطنات، وواحدة منها على الأقل، بحسب حركة المقاطعة، هي شركة استيطانية بحت.
أدار المنظمون الأذن الصمّاء متجاهلين كونهم يدعمون الحكومة الإسرائيلية


أمّا المسار الذي سيمرّ في النقب وصولاً إلى إيلات، يتجاهل بالدرجة الأولى مئات الآلاف من الفلسطينيين المهددة قراهم بالهدم، بحجة أنها «غير معترف بها حكومياً». وكانت آخرها قرية أم الحيران التي هُدمت بالكامل قبل تهجير سكانها إلى منطقة أخرى، فضلاً عن هدم قرية العراقيب نحو مئة وعشرين مرّة! كذلك الحال بالنسبة إلى المسار الذي ينطلق من حيفا إلى تل أبيب، ماراً على أكثر من ثلاثين قريّة مهجرة لا تزال بيوتها تنتظر عودة أهلها الأصليين، المشتتين في مخيمات اللجوء الفلسطيني.



البحرين والإمارات في كل تطبيع «كبة وقرص»
لم تخجل الإمارات والبحرين من المشاركة في سباق لا يروج لإسرائيل فحسب، بل يقام فيها. كذلك لم يخجل ممثلو الإمارات من التقاط الصور على مدخل باب العامود في القدس المحتلة. تجاهل هؤلاء دماء الشهداء التي سالت حيث يقفون بالضبط، على بعد أقل من كيلومترٍ واحد من أهم معالم الحضارة العربية والإسلامية. كما تناسوا أن المدينة التي وطأتها أقدامهم، هي مدينة محتلة، يُضطهد فيها الفلسطينيون يومياً وتصادر حقوقهم وبيوتهم. ومع أن المشاركة التطبيعية ليست مستغربة من دولة الإمارات، التي انتقل التطبيع مع العدو فيها من السرّ إلى العلن كحال السعودية، والبحرين، وغيرها من دولٍ عربية تصفها إسرائيل بـ «المعتدلة»، إلا أن آلاف الناشطين دعوا ممثلي الدولتين إلى الانسحاب من السباق.
لكن المتسابقين تجاهلوا المطالبات، وقرّروا المشاركة أيضاً في احتفالات «الاستقلال السبعين»، قبل أن تنهال التغريدات الرافضة والمستنكرة على موقع «توتير» ضدهم.


«البسكليت الفلسطيني» يُقمع أمام حاجز قلنديا
ردّاً على تنظيم «جيرو دي إيطاليا» في إسرائيل، انطلقت مسيرة دراجات هوائية من مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة إلى حاجز قلنديا، قبل أن تُقمع من قبل جنود الاحتلال.
وفي وقت سابق من اليوم، خرجت «مجموعة فلسطين ع البسكليت» في المسيرة، بهدف إيصال رسالة مفادها بأنه لا ينبغي استخدام الرياضة كوسيلة لتجميل صورة إسرائيل. لا سيما أنّ القائمين على السباق الرياضي المنظم في القدس هم من دول أوروبية تدّعي «مناصرة حقوق الشعوب المضطهدة»، بحسب ما قاله مشاركون.
وقبل وصول الدراجات الهوائية إلى حاجز قلنديا، اعترض جنود الاحتلال طريقهم، واعتقلوا أحد المشاركين، قبل أن يهدّدوا المشاركين بالاعتداء عليهم في حال لم ينسحبوا من المكان.