عكست ردود فعل بنيامين نتنياهو مستوى «الغضب والإحباط» من قرار مجلس الأمن الدولي، 2334، الذي يدين بناء المستوطنات في الضفة والقدس المحتلة، وساد التخوف من خطوات لاحقة، في حين أن التوجه الرسمي هو رفض القرار، بل مواجهته.
مع أن القرار الدولي الأخير لمجلس الأمن في الشأن الفلسطيني، ليس له صفة إلزامية، ومن غير المتوقع أن يكون له مفاعيل فورية تؤدي إلى إعادة تغيير المعادلة التي فرضها العدو الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين، فإن ذلك كله لا يلغي حقيقة أنه كان له وقع الصدمة على المستويين السياسي والشعبي في تل أبيب، وشكل صفعة مدوية لسياسة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو.
على خطٍّ موازٍ، من الخطأ الفادح الذهاب بعيداً في رسم السيناريوهات لمرحلة ما بعد القرار الذي جاء متأخراً كثيراً، حتى بمعايير أنصار خيار التسوية على المسار الفلسطيني، والسبب بكل بساطة هو أن امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض «الفيتو» لم يكن نتيجة صحوة أو إعادة قراءة في موقفها الظالم من القضية الفلسطينية، بل أتى هذا الموقف قبل نحو شهر من خروج الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض، حتى بدا «كمن وجه ضربة ثم هرب».
رغم ذلك، لا يتجاهل هذا المفهوم حقيقة أن هذا القرار سيكون له حضوره في أي مقاربة لاحقة للتسوية على المسار الفلسطيني. أيضاً، من غير المتوقع أن يدفع القرار نتنياهو وبقية المسؤولين الإسرائيليين، إلى تلاوة خطاب الندم وإجراء مراجعة لسياساتهم، بل لا يتوقع أن يُحمِّل رئيس حكومة العدو نفسه المسؤولية بأن القرار جاء نتيجة سياسة التحدي التي اعتمدها ضد إدارة أوباما، بل كما هو متوقع، تحدى نتنياهو القرار وأكد رفضه الالتزام.
أحد جوانب المفاجأة في الساحة الإسرائيلية يكمن في أن الموقف الأميركي أتى مغايراً للسياسات التي اتبعها الرؤساء الأميركيون منذ الثمانينيات، وذلك بمنع قرارات دولية تملي على إسرائيل خطوط التسوية ويكون لها دور في بلورة الصورة النهائية على المسار الفلسطيني.

يتخوف نتنياهو
من خطوات دولية
أخرى تدعمها
واشنطن وباريس قريباً

ويتخوف نتنياهو، وحكومته، من أن تكون الولايات المتحدة وفرنسا تعتزمان دفع خطوة دولية أخرى ضد إسرائيل في موضوع الصراع الإسرائيلي ـــ الفلسطيني قبل نهاية ولاية أوباما، في العشرين من كانون الثاني المقبل.
في هذا الإطار، أكدت صحيفة «هآرتس» أنه «عُرض تقدير بهذا الاتجاه خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت)، وطُرحت إمكانية اتخاذ قرارات في موضوع عملية التسوية خلال اجتماع لوزراء خارجية سيعقد في باريس، خلال الخامس عشر من كانون الثاني المقبل، وذلك ضمن «مبادرة السلام الفرنسية».
ووفق التقدير، ستُطرح هذه القرارات بعد ذلك على مجلس الأمن الدولي للتصويت عليها وتبنيها قبل نهاية ولاية أوباما، وهو ما دفع نتنياهو إلى التحذير من أن قرار مجلس الأمن ضد الاستيطان، يوم الجمعة الماضي، ليس الأخير، وأنه قد تُنفذ خطوات دولية أخرى.
على المستوى الداخلي الإسرائيلي، تنوعت مفاعيل القرار الدولي على الساحة السياسية والحزبية، إذ تجاهل نتنياهو حقيقة أن الصفعة التي وجهها أوباما، أتت بعد سلسلة من المناكفات التي اعتمدها في مواجهة سياساته في المنطقة، بدءاً من تدخله المباشر والفظّ في الانتخابات الرئاسية نهاية 2012 لمصلحة منافسه الجمهوري، ميت رومني، ومحاولة قطع الطريق على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، عبر إلقاء كلمة أمام الكونغرس في تحدٍّ مباشر لأوباما.
أيضاً، عرقل نتنياهو محاولات تحقيق تقدم على المسار الفلسطيني، ووجه انتقادات قاسية إلى سياسات إدارة أوباما على مستوى المنطقة... إلى أن قال إن «المعلومات المتوافرة لدينا، تؤكد أنه ما من شك في أن إدارة أوباما وقفت خلف القرار، ونسقت صيغته وطلبت إمراره».
في المقابل، استغل رئيس «حزب البيت اليهودي»، نيفتالي بينيت، القرار لتوجيه انتقاداته إلى سياسات نتنياهو، ضمن إطار التنافس بينهما على الجمهور اليميني. ورأى بينيت أن على إسرائيل أن «تجري حساباً للنفس إزاء إدارتها في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، بدءاً من اتفاقات أوسلو حتى خطاب بار إيلان» الذي ألقاه نتنياهو في 2009.
وفي محاولة لحشر رئيس الحكومة، رأى بينيت أن الخيارات محصورة بين أن يكون هناك «معسكر قومي ويعارض إقامة دولة فلسطينية، أو قبول قرار الأمم المتحدة ضدنا؛ لا يوجد حل وسط»، مضيفاً أن هناك بديلين: السيادة أو الخضوع. وتابع: «بعدما جربنا الخضوع والتنازلات خلال 25 سنة، آن الأوان للانتقال إلى السيادة، لذلك ينبغي فرض السيادة خلال الفترة القريبة على مناطق (ج) في الضفة».
أما رئيس المعارضة وكتلة «المعسكر الصهيوني»، إسحاق هرتسوغ، فدعا نتنياهو إلى الاستقالة، واصفاً القرار بأنه «فشل سياسي إسرائيلي»، وأنه كان متوقعاً منذ وقت طويل.
لكن، هناك من يرى في إسرائيل أن هذا القرار يأتي لإنقاذها من نفسها، ومن الرؤية الخلاصية التي فرضتها عليها مجموعة متطرفة، بعدما تحول الاستيطان في أراضي 67، مدخلاً إلى قيام دولة ثنائية القومية تهدد يهودية الدولة، وأن ردود الفعل الرسمية على القرار الدولي تمثل دفعاً لإسرائيل نحو العزلة الدولية.
في هذه الأجواء، أصدر وزير الأمن أفيغدور ليبرمان تعليماته، على خلفية القرار 2334، إلى «منسق أعمال الحكومة في المناطق» بوقف فوري لكل اللقاءات السياسية والمدنية مع قيادة السلطة الفلسطينية. ويأتي قرار ليبرمان ضمن سياسة معاقبة الفلسطينيين على هذا القرار. مع ذلك، حرص على الإبقاء على التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، بما أنه يخدم المصالح الإسرائيلية.