عندما يصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى البيت الأبيض في الثالث من أيار المقبل للاجتماع بنظيره الأميركي دونالد ترامب، سيجد على طاولة البحث موضوع التقديمات المالية التي تدفعها «السلطة» للأسرى والمحررين وعوائل الشهداء، وسيُواجه مطلباً إسرائيلياً أميركياً مشتركاً بوقفها على أساس أنها تمثل تمويلاً للإرهاب وتحفيزاً له.
هذا ما كشفت عنه تقارير إعلامية عبرية أمس متحدثةً عن مسعى تشريعي لسنّ قانونٍ في كل من الكنيست والكونغرس الأميركي يجرم هذه التقديمات ويعتبرها دعماً للإرهاب. وبحسب تقديرات إسرائيلية، فإن السلطة تدفع سنوياً نحو 300 مليون دولار، أي ما نسبته 6 إلى 7 في المئة من موازنتها لمن يسميهم الاحتلال «مخربين» على شكل رواتب شهرية، علماً بأن هذه المدفوعات تأخذ طابعاً رسمياً من خلال إدراجها كبنود خاصة في الموازنة.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية أمس عن مصادر سياسية قولها إن المبعوث الأميركي الخاص إلى المنطقة جيسون غرينلات، كان قد طالب عباس خلال زيارته رام الله الشهر الماضي بضرورة وقف هذه التقديمات كشرط لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل.
وتبيّن أمس، وفقاً لموقع «والا» الإسرائيلي، أنه في سياق ممارسة الضغوط السياسية على السلطة في هذا الشأن، يسعى ساسة أميركيون وإسرائيليون إلى تشريع قانون شبه متطابق وبشكل مواز يهدف إلى «وضع حد لهذه الظاهرة». وأشار الموقع إلى أنه في نهاية شهر شباط الماضي بدأ مجلس الشيوخ الأميركي في بحث مشروع قانون «تايلور فورس»، المسمى على اسم مواطن أميركي قتل في يافا العام الماضي، الذي اقترحه عدد من السيناتورات الجمهوريين برئاسة ليندسي غراهام. ويشرط مشروع القانون المساعدات الأميركية التي تقدمها واشنطن إلى السلطة الفلسطينية بقيام الأخيرة بخطوات ترمي إلى إنهاء العنف وبإدانتها للإرهاب بشكل علني ووقفها دفع رواتب شهرية «للمخربين وعوائلهم». أما الصيغة الإسرائيلية من هذا القانون، فهي مماثلة تقريباً للصيغة الأميركية، وتقدم بها أعضاء كنيست الشهر الماضي وهي تطلب تحديد آليات إجرائية لاقتطاع المبالغ التي تدفعها السلطة للأسرى وعوائل الشهداء من التحويلات المالية الضريبية التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة وتحوّلها لها شهرياً.

إسرائيل: دفع
الرواتب يشكّل خرقاً لاتفاقيات أوسلو

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو، قد تطرق إلى هذا الأمر خلال اجتماعه بترامب في شباط الماضي، متهماً السلطة الفلسطينية بـ«دفع رواتب شهرية لعوائل القتلة»، مستحضراً حادثة مقتل تايلور فورس «الشاب الأميركي الرائع الذي قتل طعناً أثناء زيارته إسرائيل».
وبرغم عدم صدور موقف رسمي للإدارة الأميركية من المسعى التشريعي في الكونغرس، فإن «والا» أشار إلى «اندفاعة جمهورية تأمل تجنيد دعم الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) والحصول على ضوء أخضر من البيت الأبيض». وكانت إدارة باراك أوباما قد تحفظت على المس بموازنة السلطة بسبب الخشية من أن يؤدي ذلك إلى إضعافها وزيادة التطرف وسط الشارع الفلسطيني، وهو الموقف الذي تتبناه أيضاً المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
ونقل الموقع الإسرائيلي عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن إدارة ترامب قد تفضل تأجيل هذا الموضوع إذا كان من شأنه إطلاق ديناميكية تتسبب بالضرر لعباس، في ظل سعيها إلى إطلاق العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن المصدر أضاف أنه بمعزل عن الموقف الفعلي لإدارة ترامب من القانون المقترح، فإن بإمكانه أن يتخذه كعصا أو كجزرة لإقناع السلطة بتقديم تنازلات سياسية وتغيير سلوكها. وأشار المصدر إلى أنه مع تغيير الإدارة الأميركية، ووجود الفلسطينيين في حالة دفاع فإن هذا الوقت قد يشكل فرصة ممتازة لدفع هذا التشريع قدماً.
وبحسب مصادر سياسية إسرائيلية أخرى، فإن رئيس السلطة الفلسطينية بات يفتش من الآن عن طرق بديلة لتحويل الأموال إلى العوائل الفلسطينية المستفيدة بحيث يلتف على آليات الرقابة الأميركية بهذا الخصوص. وذكّرت المصادر بأن عباس لجأ عام 2014، على خلفية الانتقادات الدولية، إلى إجراء تعديل تقني أغلق بموجبه وزارة شؤون الأسرى ونقل الأجهزة المختصة فيها بمتابعة التقديمات المالية لهم إلى لجنة شؤون الأسرى في منظمة التحرير الفلسطينية.
يشار إلى أن بريطانيا كانت قد أعلنت في تشرين الأول الماضي أنها ستشدد معايير المساعدات المالية التي تقدمها إلى السلطة الفلسطينية بحيث تتأكد من أن الأموال التي تحولها لا تذهب إلى تمويل «نشطاء إرهابيين أو داعمين للإرهاب أو عوائل إرهابيين». وكان وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان قد وصف «الصندوق الوطني الفلسطيني»، الذي يعتبر الذراع الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بـ«المنظمة الإرهابية». وردّاً على احتجاج السلطة الفلسطينية بأن هذا الموقف يشكل خرقاً لاتفاقيات أوسلو التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، رأت إسرائيل أن دفع رواتب للأسرى وعوائل الشهداء يشكل بدوره خرقاً لاتفاقيات أوسلو التي التزمت منظمة التحرير فيها بـ«نبذ طريق العنف والإرهاب».