رغم وجود العشرات من الطواقم الصحافية في ميدان العمل، على مدار الساعة، خلال حرب 2014 على غزة، لم يكن الشعور بخطر الاستهداف جدّياً. صحيح أن كثافة القصف جعلت إمكان الإصابة العرضية أمراً متوقعاً، لكن إمكان الاستهداف المباشر مع توافر معدات السلامة المهنية ضلّ مستبعداً.ما غيّر فكرة الاطمئنان هو مشهد انتشال جثمان الصحافي خالد شهاب من سيارته التي تفحّم كل شيء فيها، سوى شارة PRESS المضيئة في الظلام. حدث ذلك في اليوم الثالث من الحرب، ثم بدا واضحاً أن إمكان استهداف الطواقم الصحافية هو خارج الخطوط الإسرائيلية الحمراء.
بدأ عدّاد شهداء الصحافة بقصف سيارة «شهاب» وسط حي الرمال غرب مدينة غزة، تحديداً قرب برج الشروق الذي يعجّ بالعشرات من المكاتب الصحافية. بعد ذلك، صار العدد سبعة عشر شهيداً، تحولوا من ناقلين لمآسي الحرب، إلى جزء من آلاف القصص التي نقلوها إلى العالم على مدار واحدٍ وخمسين يوماً.
المصور خالد حمد، أحد هؤلاء الذين قضوا في مجزرة الشجاعية حينما توجه لتصوير الحدث على متن إحدى سيارات الإسعاف. عاد حمد ولم تصوّر كاميرته الخاصة إلا الدقائق التي وثقت نزيف دمه، قبل أن تتكفل قذيفة أخرى بإنهاء التسجيل وبإنهاء حياته.
لم يكن شهداء الحركة الصحافية وحدهم الشهود على إحدى أقسى الحروب التي عاشتها غزة على مدار عشر سنوات، بل تركت الحرب عشرين صحافياً آخرين أصيبوا خلال التغطية.
المصور حامد الشوبكي هو الوحيد الذي نجا من ثلاثة زملاء ذهبوا لتغطية مجزرة استهداف «سوق البسطات» في حي الشجاعية. في ذلك اليوم، أعاد الاحتلال قصف إحدى ورشات الحدادة المتاخمة للسوق، فيما كان المكان يكتظ بسيارات الإسعاف والدفاع المدني إلى جانب العشرات من الصحافيين.
يستذكر حامد مع «الأخبار» يوم المجزرة، بالقول: «وصلت إلى المكان والكاميرا على كتفي، بعد دقائق قصف الاحتلال بالمدفعية المكان، وبقيت أنزف أكثر من عشرين دقيقة بجانب جثامين زملائي رامي ريان وسامح العريان اللذين فارقا الحياة مباشرة».
ليس القصف فقط والمبيت في الميدان بعيداً عن الأهل المشكلتين اللتين تعترضان طريق الصحافيين، حصراً. فنظرة واحدة إلى الخيمة التي أقامها الصحافيون في مدخل «مجمع الشفاء الطبي» يمكن أن توحي بحجم التحدي.
الخيمة كانت مقرّ المبيت والانطلاق للعمل بالنسبة إلى عشرات الصحافيين، ومع ذلك بدت الأمور في «الشفاء» أكثر رفاهية مما هو عليه الأمر في «مستشفى كمال عدوان»، شمالي قطاع غزة؛ هناك استحالت الساحة المتاخمة لثلاجات الموتى مكاناً لإقامة الصحافيين، كونها النقطة الوحيدة التي استطاعوا أن يوفروا فيها خط إنترنت عالي السرعة من أحد جيران المنطقة.
لكن حجم الحدث الكبير لم يسمح لأحد بأن يسأل عن دور عشرات الجهات النقابية المتنازعة على تقديم نفسها في هيئة الإطار المحتضن للصحافيين، من دون تقديم وسائل حماية ومساعدة لازمة، ليكون، أحياناً، استشهاد الصحافي أرحم له من الإصابة.