... وبيرتس (مناحيم كاهانا - أ ف ب)

أولمرت

دان حالوتس (يواف ليمير - أ ف ب)


محمد بدير

«تقريـــر لندنشتــــراوس»: إخفاقــــات خطيــــرة... تصـــل حــــدّ الانهيـــار


«لقد فشل رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع السابق عامير بيرتس، ووزراء الحكومة، ورئيس الأركان السابق دان حالوتس، وقائد الجبهة الداخلية الجنرال إسحاق غرشون، كلٌّ وفقاً للمسؤولية المناطة به، بشكل خطير في صناعة القرارات والتقدير والتنفيذ في تعاطيهم واهتمامهم بالجبهة (الداخلية) خلال الحرب». بهذه العبارات الحادة لخص مراقب الدولة في إسرائيل، ميخائيل لندنشتراوس، تقريره الذي قدمه أمس إلى رئيسة الكنيست داليا إيتسيك، والذي يعنى بتقويم أداء الأجهزة الحكومة المختلفة على صعيد «الجبهة الداخلية» خلال عدوان تموز الماضي.
ويتألف التقرير، الذي وصف بأنه الأكثر قساوة وتفصيلاً في تاريخ مؤسسة مراقب الدولة، من نحو 600 صفحة. وكان لندنشتراوس قد قرر إجراء تحقيق في موضوع التقرير بعيد انتهاء العدوان، وبدأ العمل به في شهر أيلول 2006 وانتهى منه في شهر آذار الماضي. والتقرير حصيلة جهود عشرات الموظفين في مكتب المراقب، الذين عملوا على جمع آلاف الوثائق واستمعوا إلى إفادات عشرات الشهود، بينهم وزراء وضباط في الجيش والشرطة ورؤساء البلديات وموظفون رفيعو المستوى، فضلاً عن ممثلين لهيئات خاصة تطوعت في تقديم المعونة للسكان خلال الحرب.
ويشكل التقرير، الذي تمحور حول أداء مكتب رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع والجيش وقيادة الجبهة الداخلية، ضربة قاسية إضافية لأولمرت، بعدما كان تقرير لجنة فينوغراد، الذي صدر قبل شهرين ونصف الشهر، وجه إليه انتقادات حادة تضمنت اتهامات صريحة بالفشل والإخفاق في إدارة الحرب عموماً.
ورأى تقرير لندنشتراوس أن التعاطي مع الجبهة الداخلية خلال الحرب انطوى على مواطن خلل، بعضها خطير، متهماً «قادة الدولة» بأنهم «ركزوا (جهودهم) على القتال، وتركوا مواطني الشمال مكشوفين وعرضة لاستهداف واسع منذ الأيام الأولى للحرب». كما رأى أن «الفشل والإخفاقات التي تم كشفها في ما يتعلق بجهوزية الجبهة الداخلية وأداء الجهات المختصة أثناء حرب لبنان الثانية كان خطيراً وبالغاً».
وكشف التقرير عن أنه «عشية اندلاع الحرب استُعرضت تقديرات الجهات المختصة أمام الحكومة، التي جاء فيها أن ثمة احتمالاً كبيراً لأن تتعرض الجبهة الداخلية لضربات، وحتى أن هذه التقديرات تطرقت إلى حجم الضربات المحتملة» في إشارة إلى القصف بصواريخ الكاتيوشا الواسع من جانب حزب الله.
وأضاف أنه «حتى بعد أن تحققت هذه التقديرات مع بدء الحرب، فإن الحكومة لم تجر حتى الثلاثين من تموز، أي نقاش في تقدير الوضع يتضمن عرضاً مفصلاً عن جهوزية الجبهة الداخلية لإطلاق الكاتيوشا المتوقع. وقد ترك هذا الأداء فراغاً في ما يتعلق بالعناية بالجبهة الداخلية وأبقى سكان الشمال مكشوفين وعرضة للإصابات وفاقدين للحماية في فترة صعبة للغاية. إن هذه الإخفاقات الخطيرة... تصل حد الانهيار».
وأشار التقرير إلى أنه مع بداية الحرب توقف رئيس الحكومة والوزراء في جلستهم عند الاستهداف المتوقع للجبهة الداخلية، فأمر أولمرت الوزراء وقادة المؤسسة الأمنية بالاستعداد «لواقع جديد» في هذه الجبهة. إلا أن هذا الأمر لم يُترجم بصورة عملية ولم يأخذ شكل الاستعداد الشامل، ما أنتج وضعاً أصبح فيه «تعاطي رئيس الوزراء والوزراء والجهات المسؤولة عن الجبهة الداخلية في معظم الحالات على شكل رد فعل ولم تكن هناك مبادرات. كما أن هذا التعاطي كان جزئياً وغير مناسب، وفي كثير من الأحيان تم القيام بخطوات بشكل متأخر للغاية».
وتوقف التقرير عند «انعدام الوضوح في تحديد مجالات المسؤولية للجهات التي تعنى بقضايا الجبهة الداخلية». ورأى أنه نتيجة لذلك «فسرت كل جهة القضايا المرتبطة بنشاطها وتحت مسؤوليتها بشكل مختلف، وقد كان الخلل في الاتصالات بين قيادة الجبهة الداخلية والهيئة المسؤولة عن الطوارئ خطيراً إلى درجة انقطاع الاتصال بين الهيئتين».
وتطرق التقرير إلى عدم تفعيل نظام الطوارئ خلال الحرب، لافتاً إلى أنه «لم تكن هناك عملية اتخاذ قرارات منظمة، ولم تُقَدَّم تقارير لرئيس الوزراء ووزير الدفاع تبين حسنات هذا الوضع وسيئاته».
ووجه التقرير انتقادات إلى الحكومة لعدم اتخاذها قراراً منظماً بخصوص «إنعاش المواطنين» وإجلائهم من أماكن سكناهم إلى مناطق آمنة، كما انتقد بيرتس لعدم طرحه الموضوع أمام الحكومة خلال الحرب.
وإضافة إلى أولمرت، وجه التقرير أصابع الاتهام مباشرة إلى بيرتس وحالوتس وقائد الجبهة الداخلية إسحق غيرشون، وانتقدهم جميعاً لأنهم «لم يعملوا في المراحل الأولى من الحرب على إخراج خطط جارورية (خطط معدة مسبقاً) إلى حيّز التنفيذ غايتها السيطرة على الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ، علما بأنه تم وضع خطط كهذه وأن من شأنها أن تقدم حلولاً لجزء كبير من المشاكل التي تكشفت خلال الحرب».
ورأى التقرير أن الجيش وقيادة الجبهة الداخلية تصرفا وفقاً لخطط عسكرية «متدحرجة» تمت بلورتها خلال الحرب.
وفيما رأى أن عدم تجنيد قوات الاحتياط لقيادة الجبهة الداخلية في الوقت والحجم المناسبين، وعدم تفعيل الموارد الخاضعة لها هو «إخفاق جدي للغاية»، أشار التقرير إلى تشديد بيرتس أمام قيادة الجبهة الداخلية في اجتماع عقد في الرابع عشر من تموز على الحاجة لتجنيد قوات الاحتياط، لكن «الأدلة تشير إلى أن النشاطات التي نفذتها قيادة الجبهة الداخلية لا تتناسب مع التعليمات التي أصدرها وزير الدفاع»، مضيفاً أن «العناية بالشرائح الاجتماعية الضعيفة كانت فاشلة».
وقال التقرير بلهجة حاسمة إن «الاهتمام بالشرائح السكانية الضعيفة كان مختلاً»، مشيراً إلى أن المعطيات أظهرت أن «الوزارات المعنية لم تهتم بهذه الشرائح وفقاً لخطة طوارئ منظمة، مخلفة فراغاً ملأته جهات أهلية تطوعت لمساعدتها».
ولم يقصر التقرير انتقاداته لأداء الحكومة وأجهزتها خلال الحرب، بل قدم مطالعة في جهوزية الجبهة الداخلية قبل الحرب، وخلص إلى أن «الحكومات المتعاقبة لم تقم طوال أعوام بواجبها بخصوص الجبهة الداخلية ولم تجر تقويماً شاملاً للوضع حول سبل العمل في حالات الطوارئ».
وخلص التقرير إلى أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تكن مستعدة كما يجب لحالة حرب «والملاجئ الموجودة في جميع القطاعات كانت معدة لمكوث قصير الأمد، وليست ملائمة لمكوث لفترة طويلة... لذلك فإن قسماً كبيراً من السكان بقوا من دون حماية حقيقية أثناء الهجمات الصاروخية».
وأفرد تقرير مراقب الدولة، إضافة إلى اهتمامه الأساسي بأداء رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع والجيش وقيادة الجبهة الداخلية، فصولاً خاصة تطرق فيها لنشاط العديد من الأجهزة والمؤسسات، وفي مقدمتها البلديات والشرطة ومصلحة الإطفاء والخدمات الصحية، فضلاً عن التعامل مع المواد الكيميائية الخطيرة التي كانت موجودة في منشآت ميناء حيفا.
وكشف التقرير عن أنه لم يتم تحصين المستوعبات الـ458 التي تحتوي هذه المواد قبل الحرب ولا خلالها ولا بعدها. ووصف بالخطير تريث قيادة الجبهة الداخلية بمعالجة أمر بعض المصانع المحاذية للمناطق السكنية التي كانت تحتوي على كميات كبيرة من المواد الخطرة، مشيراً إلى سقوط عشرات الصواريخ قريباً من بعض هذه المصانع، الأمر الذي عرّض السكان لـ«خطر استثنائي».
أما بالنسبة إلى أداء السلطات المحلية (البلديات) فرأى التقرير أنه يعكس صورة «بائسة» لجهة جهوزيتها للمهام التي يفترض أن تكون ملقاة على عاتقها خلال الحرب كإعداد الملاجئ والاهتمام بالسكان وتزويدهم بالمواد الغذائية وبالتوجيهات الخاصة.
وتركزت انتقادات مراقب الدولة للشرطة باستعدادها لحالة الحرب، رغم أدائها الذي وصفه بالمقبول خلالها. وقال التقرير إن الشرطة لم تحدِّث منذ عام 2003 سيناريوات الحرب المحتملة من جهة لبنان «لذلك اضطرت وحدات الهندسة فيها إلى تكييف نفسها مع الواقع في أثناء الحرب، سواء لجهة كمية الصواريخ التي سقطت، أو لجهة نوعيتها التي لم تكن معلومة لديها، ما أدى إلى تعريض أفرادها للخطر».
وتوقف التقرير عند فقدان نحو مليار شيكل (250 مليون دولار) قُدِّمَت تبرعات وموازنات للمناطق الشمالية من جانب مؤسسات حكومية وأهلية. وأوضح أن الجزء الأكبر من هذا المبلغ صُرف في غير المورد المخصص له، وهو مساعدة سكان هذه المناطق خلال الحرب وبعدها، إذ استغل في تغطية أمور لا علاقة لها بالحرب.
وكشف التقرير أن عدد الذين تعرضوا للإصابات جراء الحرب من الجنود والمدنيين بلغ 7439 شخصاً، وعرض ذلك في سياق الحديث عن الخدمات الطبية التي قدمتها المستشفيات في الشمال، التي كانت بدورها عرضة للصواريخ في كل لحظة خلال الحرب. كما أشار إلى أن نحو 200 طاقم إنقاذ تابع لنجمة داوود الحمراء كانوا يعانون نقصاً في التجهيزات الخاصة المتعلقة بمواجهة احتمال التعرض لهجمات كيميائية.