strong> محمد بدير
«عطروت»، «هار حوما» (جبل أبو غنيم)، «معاليه أدوميم»، باب المغاربة، أسماء طفت إلى سطح التداول الإعلامي أخيراً من دون مقدمات تمهيدية. المشترك بينها جميعاً، إلى جانب كونها تتعلق ببناء استيطاني إسرائيلي في مناطق فلسطينية، هو توقيت الحدث: بعد أسابيع من مؤتمر أنابوليس وقبل أيام من إطلاق مفاوضات الحل الدائم بين إسرائيل ورئاسة السلطة الفلسطينية.
للتذكير: عشية أنابوليس، تعهد إيهود أولمرت، في إطار رزمة بوادر حسن النية التي قدمها للفلسطينيين، بوقف البناء الاستيطاني وبإزالة البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية. الموقف الإسرائيلي الراهن من الإعلانات المتوالية الأخيرة عن مخططات لبناء وحدات سكنية في الأماكن المذكورة أعلاه (إضافة إلى بناء الجسر في باب المغاربة) يرتكز إلى مبرر رئيسي: عدم انطباق تعهد أولمرت على المخططات إياها لأنها تتعلق، أولاً، بأماكن «سيادية» إسرائيلية (باب المغاربة وجبل أبو غنيم الواقعين ضمن الحدود البلدية لمدينة القدس المحتلة). وثانياً، لأنها تتعلق بتوسيع مستوطنات قائمة (معاليه أدوميم) لا بناء مستوطنات جديدة في ضوء التشديد على أن تعهد أولمرت قبيل أنابوليس يتصل بالأخير لا الأول.
حتى لو صحَّت المزاعم الإسرائيلية بشأن وجود هذه المخططات قبل وقت طويل من مؤتمر أنابوليس، فإنها لا تحول دون التساؤل حول اختيار التوقيت الحساس المتصل ببدء التفاوض على قضايا الحل الدائم للإعلان عنها، علماً بأن التقدير بأنها ستشكل مادة تفجيرية للمفاوضات المقررة أمر لا يحتاج إلى استدلال.
في رصد معالم الإجابة عن هذا التساؤل، يمكن تسجيل الملاحظتين الآتيتين:
أولاً ـ على المدى البعيد، تهدف إسرائيل إلى تكريس وقائع ديموغرافية ميدانية تصادر من خلالها طرح المناطق المذكورة للنقاش في أي مفاوضات مستقبلية. يشار هنا إلى أن تل أبيب تملك مستمسكاً دولياً يمكنها التلويح به لشرعنة هذه العملية، وهو رسالة جورج بوش الشهيرة إلى أرييل شارون عام 2004 التي يعلن فيها الرئيس الأميركي ضرورة أخذ الوقائع الديموغرافية بعين الحسبان لدى ترسيم الحدود بين الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية.
في هذا الإطار، يجدر الالتفات إلى ما أوردته صحيفة «هآرتس» يوم الجمعة الماضي وجاء فيه أن «النشاط (الإسرائيلي) المكثف في القدس» يظهر أن المعركة على المدينة بين إسرائيل والفلسطينيين قد بدأت. وأشارت الصحيفة إلى أن قضية القدس لا يوجد بشأنها أي اتفاق مبدئي بين الجانبين. ونقلت عن مقربين من أولمرت «اعترافهم» بأن «القدس هي الموضوع الأكثر تعقيداً في المفاوضات». وبحسب الصحيفة، فإن هناك جهات في إسرائيل تشعر بأن الوقت الراهن هو وقت العمل في القدس «سواء لتعزيز السيطرة فيها أو من أجل منع المفاوضات على تقسيمها».
ولتأكيد هذا البعد في خلفية الخطوات الإسرائيلية، نقلت الصحيفة عن نائب رئيس بلدية القدس ورئيس لجنة التخطيط والبناء فيها، يهوشوع بوليك، قوله إن هدف هذه الخطط هو خلق تواصل سكاني يهودي بين القدس وغوش عصيون في جنوبي المدينة، وبين القدس ومستوطنات «بيت إيل» في الشمال. وكذلك يهدف الحي الذي خطط لإقامته في المنطقة إي ـ 1، المجاورة لمعاليه أدوميم، إلى إيجاد حاجز بين القرى الفلسطينية في المنطقة والقدس، «لإحباط النيات الفلسطينية بتحويلها إلى عاصمة لدولتهم».
ثانياً ـ على المدى الفوري، لا يمكن التحلل من ربط الإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية بالحسابات الائتلافية لحكومة إيهود أولمرت. فأولمرت، الذي لم يكن أنابوليس بالنسبة له أكثر من شراء بوليصة تأمين، مدتها عام على الأقل، لحكومته ولشخصه على رئاستها، مستمر في السياسة نفسها الرامية إلى تحصين الائتلاف الحزبي الذي تتشكل منه الحكومة، وخصوصاً في جهته اليمنى. ففي هذه الجهة، ثمة حزبان، إسرائيل بيتنا وشاس، يلوحان صباح مساء بالانسحاب من الحكومة في حال مجرد التفاوض على بعض قضايا الحل الدائم، وبخاصة القدس. في ضوء ذلك، يمكن القول إن ما يفعله أولمرت «استيطانياً» هو أشبه بتقديم أوراق اعتماد لهذين الحزبين تشي بموقفه الضمني من القضايا التي ستطرح للنقاش في المفاوضات المزمعة، حتى بثمن التحفظ الأميركي أو المخاطرة بأزمة مع واشنطن على هذا الصعيد.
تقنياً، تمكن أولمرت من حرف جدول أعمال المفاوضات، التي انتسف موعدها الأول الذي كان مقرراً في الثاني عشر من الجاري على خلفية الإعلانات الاستيطانية الإسرائيلية. في موعدها الجديد اليوم سيتمحور النقاش على نقطة واحدة هي وقف الاستيطان الإسرائيلي. هذا ما صرح به على كل حال عضو طاقم المفاوضات الفلسطيني ياسر عبد ربه أمس. ماذا عن قضايا الحل الدائم؟ بإمكانها أن تنتظر حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن البند المستجدّ الذي فرضه الجانب الإسرائيلي.