معاريف ـ جاكي حوغي
حين يتبنى العرب نهجاً شاذاً أو يعلنون عن سلام، فهم مضغوطون. لكن حين تسلك إسرائيل نهجاً أحمق وشاذاً، فهي تُظهر حزماً. إنه قاموس التعابير الإسرائيلي.
قام حسن نصر الله مرة أخرى بمناورة شريرة، فنفض خبراؤنا هذا الجانب من قاموس التعابير الخاوي. «مسؤولون رفيعون» في الجوقة الموسيقية قالوا إنه مضغوط، وإنه بحاجة إلى إنجازات. هكذا هي الامور في هذه الدولة حين تسلك القيادة الإسرائيلية نهجاً شاذاً وتقول إنها قررت أن تتخذ خطوات تصعيدية تقوم بتجويع الأطفال في غزة وترى بذلك حزماً. وعندما يرسل الرئيس الأميركي جورج بوش جنوده بغباء إجرامي لإبعاد رئيس عربي مستقر، يمدحه الجميع لكونه قائداً للعالم الحر.
لكن إذا أعلن الرئيس السوري بشار الأسد مثلًا، أنه اختار السلام خياراً استراتيجياً، فمن المؤكد أنه يشعر بالضغط. كذلك عندما يتجرأ نصر الله على اتباع أسلوب لإنعاش المفاوضات من اجل إحضار قتلى حزب الله إلى قبور وطنهم، يندفع الجميع في جوقة موسيقية وينشرون في الجو تصريحات تنتهك الحرمات. إنه يتجرأ بِشَرِّهِ على استنشاق الإنجازات، بعكس كل زعيم آخر في هذا العالم المثقف، يتدثر في غرفته ويخاف ألا يسجّل إنجازاً ما باسمه.
ليس هناك أهمية لذلك «الضغط» الذي يلصقونه بنصر الله. هو لن يدفعه للاستقالة، والفرص ضعيفة لأن تؤدي قريبا لاتخاذ أخطاء مصيرية. التوتر، الواقع فيه نصر الله، وإن كان عامّا، يعدّ هامشيا مقارنة بذلك المكفن به في هذه الأيام إيهود أولمرت، الذي سيواجه بعد عشرة أيام إحدى اللحظات المصيرية في مجرى حياته، مع نشر تقرير فينوغراد.
كان الرد الفوري لإسرائيل صائباً، حين رفضت أن تصرخ في أعقاب المناورة التهكمية التي شرع بها العدو من الشمال، ولن تتنازل في هذه المرحلة لإجراء مفاوضات معه على الأشلاء التي بحوزته. لكن قبل أن تعلموننا هنا بأن العدو في حالة ضغط، نود أن نحوّل النقاش إلى قضايا أهم.
نحن نطلب من «المسؤولين الرفيعين» إخبارنا لماذا ألداد ريغف وإيهود غولدفاسر (وكذلك جلعاد شاليط) ليسوا في البيت؟ بودّنا أن نعرف كيف حدث أن حرب لبنان أفضت إلى أن يكون نصر الله مستقوياً؟ بماذا تسببت عاصفة صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الشمال بعد سنة فقط؟ بأن امتلأت مستودعاته بأسلحة أكثر إحكاماً!
بدلًا من الانهماك بالوضع النفسي لزعيم حزب الله، كنا نتوقع من أولئك المسؤولين الحكوميين مجهولي الهوية، أن يفسروا لنا ضعفهم. كيف تحوّل نصر الله من زعيم مطارد، يقضي معظم أيامه في المخابئ منذ خطف الجنديين في تموز 2006، إلى رجل هو القائد في السياسة اللبنانية، يعترض، يقيل الوزراء، وهو الوحيد الذي بكلمته يحل الأزمة الرئاسية التي تعيد لبنان إلى الهدوء. لقد جرّ بلده إلى هذه الحرب، وإلى الخراب والقتل، لكنه يبقى على قيد الحياة يتنفس ويتحرك ويواصل الاستهزاء بنا. كل ذلك بالتأكيد لأنه يشعر بالضغط!
لنذكّر هؤلاء المسؤولين أيضاً بأن زعماءنا أطلقوا قبل زمن غير بعيد تهديدات موجهة إلى هذا الرجل، وأجبروه على العيش في المخابئ. ها هو ذا اليوم يخرج من الملجأ، يتمشى تحت قبة السماء ويلوح بثبات للجمهور الذي ينظر إليه، وكل ذلك من دون خوف. أهكذا يبدو الزعيم المضغوط؟