محمد بديرما هي أساليب التعبئة المعنوية التي كان يتلقّاها الجنود الإسرئيليون أثناء قتالهم في عدوان غزة؟ سؤال أتيح أمس الإطلال على أجزاء من الإجابة عنه في تقرير لصحيفة «هآرتس» كشفت فيه عن الدور التعبوي الذي مارسته الحاخامية العسكرية خلال الحرب وسط الجنود.
وبحسب التقرير، آثر الحاخام العسكري الرئيس، آفي رونتسكي، الحضور بين الجنود في الميدان، ملقياً عظات دينية هدفها رفع المعنويات وتعزيز الروح القتالية عندهم. كذلك أشرفت الحاخامية العسكرية على طباعة وتوزيع عدد من المنشورات على الجنود تتضمن الرسائل التعبوية نفسها. وإذا كان الخطاب الرسمي الإسرائيلي يحرص على ادّعاء تحييد المدنيين في الحرب وإبداء الأسف على من يسقط ضحية منهم، فإن مضمون هذه المنشورات، بما ينضح به من عنصرية ودعوة إلى الإجرام، يكشف حقيقة التوجيه التعبوي والأخلاقي الذي يُشحن به جنود الجيش الإسرائيلي، فاضحاً زيف الرواية الإسرائيلية.
وهكذا، على سبيل المثال، تورد بعض المنشورات تعليمات ونصائح تحث على عدم الرأفة، إذ «عندما نرأف بعدو وحشي، فإننا نمارس بذلك الوحشية على جنودنا المستقيمين والطيبين». ولذلك، فإن «هذا يعدّ عملاً فظيعاً وغير أخلاقي. فالأمر ليس ألعاباً رياضية تعلّمنا الروح الرياضية فيها التنازل، بل هو حرب ضد قتلة، والحرب هي الحرب».
وتوضح منشورات أخرى مكانة «أرض إسرائيل» في الوعي اليهودي، مشددة على وجود «حظر ديني، منذ الأزل، على التنازل عن ميليمتر واحد من أرض إسرائيل للأغيار بأيّ شكل من أشكال التشويه الخبيث والساذج، سواء كان ذلك حكماً ذاتيّاً أو جيباً أو بقية مظاهر الضعف القومي. لن نضعها في أيدي شعب آخر، ولا حتى شبراً منها، ولا حتى قطعة من أظفر».
وأخذت المنشورات شكل كراسات كانت توزع على الجنود والضباط خلال الحرب تحت عنوان «كراس يومي لتعلم التوراة». وتضمنت اقتباسات مأخوذة من كتب الحاخام شلومو أفينيري، رئيس معهد «عطيرت كوهانيم» المتطرف الكائن في القدس المحتلة. ويورد أحد الكراسات سؤالاً عما إذا كان «ممكناً المقارنة بين فلسطينيي هذا العصر وفلسطينيي الماضي؟ وتالياً، هل يمكن التعلم من سبل المواجهة العسكرية لشمشون وداوود وإسقاطها على أيامنا؟». ليجيب عنه، نقلاً عن الحاخام أفينيري، بالتالي: «يمكن المقارنة، لأن فلسطينيي الماضي لم يكونوا أبناء هذا المكان وإنما غزوا أرض إسرائيل التي لم تكن لهم، وادّعوا الملكية السياسية في بلادنا... وفي عصرنا المشكلة مماثلة. الفلسطينيون يدّعون بأنهم يستحقون دولة هنا، بينما لم تكن أبداً في حدود أرضنا دولة فلسطينية أو عربية. بل إن أكثرهم حديثون، قدموا قبيل حرب التحرير (1948)».
وتحمل الكراسات تواقيع الحاخامَين حن حلميش ويوفال فرويند من قسم الوعي اليهودي في الحاخامية العسكرية.
ويبدو أن المنشورات التي وزعتها الحاخامية العسكرية على الجنود لم تكن كافية لتعبئة الجنود، ما دفع بعض المنظمات اليمينية إلى توزيع بعض البيانات في ثكنات دعوا فيها الجنود إلى «عدم أخذ السكان الذين يحيطون بمن يستهدفنا بالحسبان. فهؤلاء السكان ليسوا بريئين». ويطلب البيان من الجنود «تجاهل كل أشكال النظريات الغريبة والأوامر التي تشوّش سير العمليات المنطقي وهو: تدمير العدو».
وقد دعت منظمة «يش دين» الحقوقية الإسرائيلية إلى طرد الحاخام العسكري الرئيس بسبب هذه المنشورات. ورأت في رسالة إلى وزير الدفاع، إيهود باراك، ورئيس أركان الجيش، غابي أشكينازي، أن المنشورات تحتوي على «رسائل مهينة ومذلّة تكاد تعادل التحريض والعنصرية. وهذه الرسائل يمكن أن تفسّر على أنها دعوة للتصرف خارج حدود القانون الدولي الذي يحكم الحروب».