بعد صدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، حفلت بعض الصحف الغربية بموضوعات تحتفل بقرب الوصول إلى العدالة، والاقتصاص من المجرمين. لكن سرعان ما نسي الغرب موضوعنا الداخلي، وعاد إلى الثورات العربية. الصحف التي اهتمت بالحدث اللبناني ركزت على اتهام عناصر من حزب الله بالجريمة، واحتوت أغلب المقالات على شتائم واتهامات بحق الحزب، من دون تحليل واضح لما يمكن أن تكون عليه تبعات القرار، من وجهة النظر الغربية. وحده الصحافي البريطاني روبرت فيسك، سخر من تغيير المتهمين بالجريمة من سنة إلى أخرى، فيما رأى الخبير في شؤون حزب الله، ثاناسيس كامبانيس، أنّ الخطر على الحزب ليس القرار الاتهامي، بل يكمن في مكان آخر

يوم لبنان في المحكمة



وليم هاريس *
إذا استطاع مخططو الاغتيال النفاذ من العقاب، فستكون مغامرة العدالة الدولية في مجال الاغتيال والإرهاب مهزلة
منذ أن أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في منتصف 2007 المحكمة الخاصة بلبنان (وهي المحكمة الدولية المكلفة محاكمة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط 2005 والاعتداءات الأخرى المرتبطة به)، أصبحت تلك المحكمة مصدراً كبيراً للإزعاج. أما الإفراج الخميس الماضي عن اللوائح الاتهامية للمحكمة، وتسمية أربعة متهمين (منهم اثنان يشتبه في أنّهم أعضاء في حزب الله)، فكان نقطة التحوّل الأخيرة في التاريخ الطويل لجسم قضائي مثير للجدل.
حذر الرئيس السوري بشار الأسد، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل شهور من إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان، من أنّها ستؤدي إلى «نتائج خطيرة لا يمكن لبنان احتواؤها». أما حزب الله، فعدّها مؤامرة صهيونية، وفي كانون الأول 2010، أعلن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أنّ نتائج المحكمة «فارغة وباطلة». في كانون الثاني، انسحب حزب الله وحلفاؤه، بدعم سوري، من حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، ابن رفيق، ما سبّب انهيارها. سعى حزب الله وسوريا إلى تأليف حكومة جديدة، وتكليف رئيس وزراء مستعد لإنهاء تعاون لبنان مع الحكومة. بعد أيام، في 17 كانون الثاني، أصدر المدعي العام للمحكمة أول قراراته الاتهامية، التي بقيت سرية بانتظار موافقة قاضي المحكمة عليها. من المتوقع ألا تبدأ المحاكمات قبل تشرين الأول المقبل.
لقد أُنشئت المحكمة الدولية انطلاقاً من تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة، مباشرة بعد التفجير الذي قتل الحريري. في نيسان 2005، سمح مجلس الأمن، بالإجماع، ببدء تحقيق شامل بالاغتيال، وأنشأ لجنة التحقيق الدولية. كان ذلك تدخلاً غير مسبوق في مسألة تُعَدّ في العادة جريمة محلية. مرد ذلك، في جزء منه، إلى خوف المجتمع الدولي من عدم محاسبة قتلة الحريري، واستمرار الجرائم في لبنان على نحو معتاد، لفترة طويلة بدون عقاب...
خلال 2009 و2010، استجوب محققو المحكمة عناصر من حزب الله، وفي تموز 2010، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إنّه يتوقع اتهام أفراد من الحزب. وقتها، نصح المدعي العام للمحكمة، دانيال بلمار، بسبب عدم وجود أدلة كافية، بالإفراج عن الضباط الأربعة المحتجزين منذ آب 2005، بناءً على نصيحة من لجنة التحقيق الدولية. كان ذاك الإفراج ضربة قوية للمقتنعين بأنّ المسؤولين اللبنانيين المتعاونين مع سوريا كانوا مذنبين، وأدى ذلك إلى تسليط الضوء على حزب الله. بدعم سري من سوريا، شنّ حزب الله هجوماً على المحكمة، وطالب لبنان بإيقاف التعاون معها، وإلقاء القبض على من يقال إنّهم شهود زور، أي أشخاص قدموا شهادات مضللة لتحقيق الأمم المتحدة. أنهى تقديم بلمار لوائح اتهام في كانون الثاني 2011 إلى قاضي المحكمة التكهنات بشأن عدم وصول المحكمة إلى شيء. داخل لبنان، أصبح سعد الحريري وشركاءه أقلية برلمانية، لأول مرة منذ انتخابات 2005 البرلمانية، بسبب انشقاقات، لكنّهم ليسوا ضعفاء كما يبدون. رئيس الوزراء السني الجديد، نجيب ميقاتي، الذي استطاع في 13 حزيران تأليف الحكومة التي طلبها بشار الأسد، سيواجه غضب طائفته إذا نفذ مطالب حزب الله من الحكومة. وإذا رفض لبنان التعاون مع محكمة مدعومة من الفصل السابع في شرعة الأمم المتحدة، فسيكون ذلك خرقاً لواجباته الدولية وسيجلب على نفسه عقوبات. أما القضاة اللبنانيون في المحكمة، فسيكونون بعيداً عن القضاء الخاص ببلدهم، ويمكن إيجاد تمويل بديل، غير التمويل اللبناني. وإذا فشل لبنان في تسليم المتهمين، يمكن المحكمة أن تحاكمهم غيابياً.
بطرق مختلفة، تمثّل المحكمة الخاصة بلبنان أسلوباً جديداً للعدالة الدولية. على خلاف محاكم أخرى، مثل تلك التي أُنشئت ليوغوسلافيا السابقة، سييرا ليون وكامبوديا، فهي تركز على حدث واحد: اغتيال الحريري. للمرة الأولى، امتدت العدالة الدولية بعيداً عن جرائم الحروب، والجرائم بحق الإنسانية، لتشمل الاغتيال السياسي والإرهاب. بما أن المحكمة الخاصة بلبنان أنشأها مجلس الأمن في الأمم المتحدة، لكن تعتمد على القانون المحلي اللبناني خصوصاً، فهي فريدة من نوعها. المحاكم الأخرى المختلطة التي تُنشئها الأمم المتحدة وحكومات سيادية، تعمل وفق توليفة من القانون الدولي والمحلي. تفوقت المحكمة على سابقاتها بسبب وجود لجان معينة لاختيار القضاة والمدعي العام، ما يعزل العملية عن المقايضات السياسية في مجلس الأمن. عكس المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة سييرا ليون، يمكن المحكمة الخاصة بلبنان إجراء محاكمة غيابياً، ما يسمح لها بأن تعمل، حتى لو لم تستطع أن تقبض على المتهمين.
رغم أنّ بعض هذه المميزات قد تسبب مشاكل، يجب ألا تكون هذه المشاكل مبالغاً فيها. يمثل إنشاء «محكمة ذات طابع دولي» لتطبيق قانون محلي تحدياً لسيادة الدولة. لكن الحكومة اللبنانية طلبت ذلك، وكانت أغلبية البرلمان اللبناني مستعدة للموافقة على المحكمة. القضية الأخرى هي عدم إجبار المحكمة الخاصة بلبنان الدول الأخرى على تسليم الشهود والمتهمين. مقارنة بلجنة تحقيق الأمم المتحدة، هي بلا أسنان. لكن يمكن مجلس الأمن أن يعالج هذا النقص بسرعة مع إصدار قرار يطلب التعاون، على سبيل المثال، من سوريا.
بالفعل، إنّ المحكمة الخاصة بلبنان ستستمر، لأنّ مجلس الأمن لا يمكنه السماح لمتهمين بالقتل، بتدمير مؤسسة قضائية دولية. لكن هناك خطوات نجاح أكثر ضرورة من مجرد الاستمرار. أولاً، هل ستكون المحكمة قادرة على إدانة من أُمروا باغتيال الحريري والجرائم الأخرى، لا من نفذوا فقط؟ الاهتمام الأخير للتحقيق بعناصر حزب الله، يتوجه فقط إلى الكادرات المتوسطة والدنيا من المؤامرة. إذا استطاع مخططو الاغتيال النفاذ من العقاب، فستكون مغامرة العدالة الدولية في مجال الاغتيال والإرهاب مهزلة. ثانياً، هل ستتمكن المحكمة من الحفاظ على صدقية في لبنان، إذا أصبحت أقل لبنانية؟ هناك أسباب للتفاؤل: نصف اللبنانيين سيدعمون المحكمة في أي ظرف، والطريقة المحترفة التي سيعرض خلالها المدعي العام الأدلة خلال أشهر من الجلسات القضائية كفيلة باستمالة الكثير من النصف اللبناني الآخر.
نجاح المحكمة الخاصة بلبنان هو الطريق الجدية الوحيدة لإخراج لبنان من ثقافة الإفلات من العقاب، ولتمهيد الطريق لحياة سياسية تعددية، خالية من الإرهاب والجريمة. بالطبع، لا تتطرق المحكمة الخاصة بلبنان إلى الكمية الكبيرة من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، منذ 1975. لكن في العالم الحقيقي، هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة للبدء بتصديع الجدار.

* عن مجلة «فورين أفيرز»

■ ■ ■

ورطة حزب الله



ثاناسيس كامبانيس *
خلال السنوات الست، منذ اغتيال رفيق الحريري على واجهة بيروت البحرية، انتظر مناصرو رئيس الوزراء السابق، صاحب المليارات الصريح والواضح، هذا اليوم الذي يواجه فيه قتلته العدالة.
لكن لوائح الاتهام، التي سلّمتها في الأسبوع الماضي محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان، لم تكن ذات أثر كبير. على المدى القصير، سيواجه حزب الله الحد الأدنى من التداعيات، بعد الاتهامات التي طالت اثنين من القادة فيه، تعتبرهما المحكمة مسؤولين عن الاغتيال.
التهديد الأكبر لتفوق حزب الله على المدى الطويل هو في مكان آخر. الأول يأتي من المحكمة التي ستمارس ضغطاً على لبنان، لا بسبب المتهمين الذين ستدينهم، بل بسبب قوة قضيتها. التحدّي الثاني، وربما الأكبر بالنسبة الى حزب الله، ينبع من التغيّرات السياسية الجذرية التي تجتاح العالم العربي. تغيّرات تهدد الحكومة السورية في دمشق، وهي داعمة لحزب الله، وأدت إلى وقوف هذا الأخير مع الديكتاتوريات المستبدة في عصر الربيع العربي.
فلنأخذ لوائح الاتهام، أولاً. لقد أظهرت التسريبات من المحكمة، لسنوات، أنّه سيتهم عناصر من حزب الله بقتل الحريري. وكذلك سرّبت تفاصيل تتعلق بالأدلة، ومن ضمنها سجلات اتصالات هاتفية، يقال إنّها تضع فريق القتل التابع لحزب الله وراء الحريري حتى مقتله.
هذا التحذير المسبق، سمح لحزب الله بالاستعداد، استراتيجياً، لهذه المرحلة. لقد أقنع الحزب مناصريه بأنّ اسرائيل تقف وراء الاغتيال، والأهم من ذلك، نجح في إلقاء شك على صدقية المحكمة بين لبنانيين لا يناصرونه حتى. لقد حظي الحزب بمساعدة من المحكمة نفسها في هذا المجال، بسبب التسريبات المتكررة، واعتمادها على شهود اتضح لاحقاً أنّهم فبركوا رواياتهم، وتقلبها السياسي بعدما اتهمت سوريا بداية بالجريمة، ولاحقاً تحوّلت إلى حزب الله.
لكن لكي يضمن وضعه، استخدم حزب الله مقاعده في الحكومة، في كانون الثاني، لإطاحة حكومة ائتلافية يترأسها سعد الحريري، ابن المغدور، واستبداله بصاحب مليارات سنّي آخر، نجيب ميقاتي. فهذا الأخير سيكون أكثر طواعية تجاه أجندة المقاومة الإسلامية، وأقل حماسة للتعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
لذا، حين جرت تسمية اثنين من العناصر الهامة في حزب الله في اللوائح الاتهامية في 30 حزيران، لم يشعر الحزب بضرورة للردّ مباشرة.
التأثير الحقيقي للاتهام يأتي لاحقاً. إذا لم تتحرك الحكومة اللبنانية للقبض على عملاء حزب الله، كما وعد وزير الداخلية، فسنكون أمام مواجهة مع حزب الله سيخرج الحزب منها متضرراً. وحالما تنشر تفاصيل الاتهامات، وإذا كانت رواية المحكمة بخصوص تورط حزب الله متينة، فستنتهي قصة روبن هود التي نسجها الحزب حول نفسه.
السياق الأكبر هو الأهم. لقد ازدهر حزب الله بسبب الولاء التام الذي يظهره تجاهه مناصروه اللبنانيون، الذين يصلون إلى حوالى مليون أو أكثر، وكذلك بسبب تأسيسه عدداً من التحالفات مع الطوائف الأخرى، أكثر مما فعل منافسوه. كما يمكنه الاعتماد على المساندة غير المشروطة من إيران وسوريا، التي تعدّ الى جانب حماس محور شر الشرق الأوسط.
كان ذلك ينفع منذ عام، حين كانت إسرائيل والولايات المتحدة تعتبران متنمري المنطقة، وحزب الله المتحدث باسم الشعب العربي المحروم.
اليوم، لقد تغيّرت تلك المعادلة. عبر العالم العربي، برزت حركات شعبية وشرعية تمثل الغضب الشعبي العميق والطموحات الكبيرة بالتغيير. سلوك المستبدين من أمثال بشار الأسد في سوريا، وزملائه في الأردن والبحرين واليمن هو مخزٍ، ويعتبرون اليوم في مناطق كثيرة في العالم العربي كمشكلة، وليس كعنصر ثمين في مقاومة السيطرة الاسرائيلية والأميركية. تتشارك الكثير من تلك المجموعات الجديدة مع حزب الله التعاطف تجاه القضية الفلسطينية، لكنّها لا تشاركه طريقته في المقاومة المسلحة والسياسة الاستبدادية.
لقد تحمس حزب الله لتلك المجموعات حين أطاحت ديكتاتور مصر ومستبد تونس، اللذين لا يشاركان حزب الله أجندته. لكن الحزب اصطفّ مع الأنظمة القمعية التي تسانده في سوريا وإيران، ضد الحركات الشعبية في هذين البلدين الداعية الى التغيير، ما سيلحق الضرر بشرعيته. سيكون من الصعب على حزب الله الربح هنا.
إذا استطاع الرئيس السوري بشار الأسد، بطريقة ما، الاستمرار بالسيطرة على الحكم، فسيتمكن حزب الله من تجاهل الاتهام. سيتمكن عملاؤه من الاختباء لسنوات، وإذا جرت محاكمتهم غيابياً، فسيعتبر الحزب ذلك عرضاً سياسياً.
لكن إذا استمرت مسيرة الربيع العربي نحو مزيد من الانفتاح السياسي، فقد يجد حزب الله نفسه في مأزق. قد يجد وصوله الى مخابئه في دمشق صعباً. قد يواجه تحديات لتفوقه السياسي، لم تطالعه سابقاً. حتى الآن، كان حزب الله يقدم نفسه على أنّه الصوت العربي الوحيد المستعد لانتقاد إسرائيل والولايات المتحدة، ما يبرر تكتيكاته وإيديولوجيته.
لكن الربيع العربي أدى الى بروز حركات مستعدة لتحدي السياسات الأميركية والإسرائيلية، بدون حرب طويلة أو دولة دينية. من المتوقع أن تسرق تلك الحركات من نجومية حزب الله.
بعيداً عن اللوائح الاتهامية، هذا الفيضان قد يقلب حظوظ حزب الله.

* عن مجلة «ذا أتلانتيك»

■ ■ ■

هل نتّهم ليبيا غداً؟

روبرت فيسك *
بداية، كان دور السوريين الشريرين. بما أنّ رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، كان يريد باقي الجيش السوري خارج لبنان (عشرون ألف جندي، رغم أنّ بعض وكالات الأنباء تتحدث عن 44000 ألف عنصر)، إذاً السوريون هم من قتله. لذلك، اعتُقل «أصدقاء» سوريا في لبنان، أي رجال أمن كان بإمكانهم إبقاء الحريري قيد الحياة، لو أرادوا.
سجن أربعة منهم في سجن رومية الشهير، لسنوات، قبل أن تتنازل الأمم المتحدة وتقول إنّه لم يكن هناك دلائل كافية لاعتقالهم، وإنّهم أبرياء. أسماء هؤلاء لا تظهر في اللوائح الاتهامية التي أصدرتها الأمم المتحدة.
بعبارات أخرى، من المؤكد أنّ الإيرانيين قاموا بالعملية، او حزب الله. ومع مرور السنوات، خرج السوريون من دائرة الاتهام. كان سيمور هرش، أكثر الصحافيين جديّة في الولايات المتحدة، يجري مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد حين سمع بخبر اغتيال الحريري، وسجل ردّ فعل الرئيس الحقيقية، حين سمع هذا الرجل العظيم بمقتل الحريري. ربما يمكن تزوير مشاعر كتلك، لكن...
بعد ذلك، وخلال سنتين، أخبرتنا «در شبيغل» أنّ حزب الله، الميليشيا المفضّلة عند إيران وسوريا، وعدوّة اسرائيل وخبيرة كلّ حروب عمليات السلام في الشرق الأوسط، هي من قتل أهم رئيس وزراء في الحياة السياسية اللبنانية. لم يصدق ذلك أحد في لبنان. اغلبية من هم خارج لبنان، صدقوا ذلك. من غير المعقول أن يكون حزب الله، مع أجهزة استخباراته الماكرة، قد تورط في مشروع سوري لقتل الحريري.
يعيد ذلك بعض الذكريات. حين سقطت طائرة «بان آم» فوق لوكربي، قيل لنا إنّ الإيرانيين، يساندهم السوريون، من قام بذلك. لكن تم بعد ذلك تشجيع الصحافة على لوم الليبيين، وبدأت قصة المقرحي الذي قد يخبرنا المزيد عن تلك القصة (أو ربما لا يفعل) حين يصل الثوار الليبيون إلى باب داره، خلال سنة أو سنتين. ما تغيّر بالطبع هو أنّنا اصبحنا نحتاج الى الجيش السوري لحماية الممكلة العربية السعودية من العراق، بعد اجتياح صدام حسين للكويت في 1990. لذلك، أصبح السوريون الأشخاص الطيبين، وتحوّل الليبيون إلى الأشرار. واستمر الموضوع على ما هو عليه حتى قبّل القذافي بلير، وقبّل بلير القذافي، وقرر القذافي قتل كل السنوسيين، أعدائه. حسناً، على الأقل، لا يزال بإمكاننا لوم القذافي على قضية لوكربي.
لكن هل قتل حزب الله الحريري؟ لقد كنت على بعد 400 متر من الانفجار يوم 14 شباط 2005، وأنا محظوظ لكوني على قيد الحياة، لكنّي غير محظوظ لكوني شهدت على منظر جثة الحريري تحترق إلى جانب الطريق. أعتقد أنّ جهاز حزب البعث الأمني قتل الحريري، من دون أي معرفة للرئيس الأسد، مثلما أعتقد أنّ ذلك الجهاز قتل بيار الجميّل، والصحافي سمير قصير. لكن لم ير أي اتهام بأي جريمة النور في لبنان.
لذلك، الوقت مناسب لإلحاق اكبر ضرر ممكن بآخر مجموعة من المتهمين في لبنان (اذا كنت وكالة حكومية اميركية) في الوقت الذي يخاف فيه الاسرائيليون من حرب جديدة مع حزب الله. كما أنّ الوقت على ما يبدو مناسب لإثارة فتنة مذهبية جديدة بين سنّة الحريري وشيعة حزب الله في لبنان، في الوقت الذي يقاتل فيه علويو الأسد الشيعة، الأغلبية السنّية في سوريا. أما المتهمون الذين قضوا سنوات محتجزين بسبب ادعاءات من قبل الأمم المتحدة، فقد أفرج عنهم لغياب الأدلة.
ومثلما أقول دوماً لأصدقاء يسألونني عن تلك الأمور: المشكلة في لبنان أنّ الجميع أبرياء.. كما أنّ الجميع مذنبون.

* عن جريدة «اندبندنت»