زمجرة خفيفة من الجيش كشفت عن جزء صغير من تفاصيل شركة الحكم الجديدة، التي منحت مرسي السيطرة بعد ايام قليلة من نقل السلطة. كشفت ايضاً أنّ اتفاق الشراكة لا يخلو من هشاشة، تجعل الجيش يرسل رسالة مضمرة الى الرئاسة: «وما أدراك اذا غضب الجيش». الجيش غاضب اذن، وسبب الغضب المباشر يتعلق بكبرياء المؤسسة، التي لا تملك فقط السلاح والقوة، بل هي أيضاً اكبر مؤسسة بيروقراطية لها نفوذ في كل تفصيل من تفاصيل الحياة، بدايةً من سنوات التجنيد الإجباري، ونهايةً بالموافقات على المشاريع او منح تراخيص نشاطات اقتصادية تحتكرها مؤسسة الجيش.الغضب يتراكم كما تقول روايات منشورة ومتسربة من عدة نقاط، آخرها التلميح بامكان محاكمة المشير طنطاوي والفريق عنان في قضايا مالية، وتسريب تفاصيل عن تحويلهما إلى جهاز الكسب غير المشروع، اضافة الى تلميحات عن المحاكمة على جرائم ارتكبت اثناء الفترة الانتقالية، وكما في الدراما، فإنّ هناك عادة كلمة مؤثرة في تهييج العواطف، وهذه الكلمة كانت تصريحاً للمستشار احمد الزند، رئيس نادي القضاة، الذي هاجم محاولة اقالة النائب العام: «ليس في القضاء طنطاوي وعنان»، أي إنّ مرسي لا يستطيع تكرار سيناريو الازاحة في القضاء. الاهم معنوياً كان احتفال نصر اكتوبر بعيداً عن الجيش لأول مرة، إذ انتقل التنظيم الى الرئاسة ووزارة الشباب، أي الى جماعة الاخوان المسلمين، التي حشدت جماهيرها بالاعلام، ودعت احد قتلة السادات، وبدا القائد العام (الفريق عبد الفتاح السيسي) غريباً في الاحتفال، وخاصة انه لم توجه دعوات إلى قادة الجيوش، وبالطبع إلى المشير، آخر قائد على قيد الحياة وفي الخدمة، شارك في الحرب.
والاحتفال بدا احتفالاً بانتصار الاخوان، وبمندوبهم محمد مرسي في حرب لم تتم، ودورانه في «استاد القاهرة» بالسيارة المكشوفة وهو يحتفل بانتصار الجيش على اسرائيل، كأنّه صاحب الانتصار، او يسترده من سارقيه.
والاخطر سياسياً محاولة الرئاسة توريط الجيش في الضغط على خصوم مرسي، إذ روى صحافيون قريبون من الجيش، ويبدو أنّهم حضروا لقاءً اخيراً مع القادة، حكاية الاجتماع الذي دعا إليه مرسي لتأمين «جمعة كشف الحساب». ووفق رواية ياسر رزق، رئيس تحرير المصري اليوم، فوجئ القادة العسكريون بأنّ الموضوع المطروح ليس تأمين التظاهرة، بل الإيحاء بضرورة ضغط الجيش على القضاة في موقعة النائب العام. خلاصة هذه النقاط كانت الزمجرة التي عبّرت عن نفسها عبر ثلاثة مستويات:
1 - بيان يصدر لأول مرة موقعاً باسم «قادة وضباط، وضباط صف وجنود» الجيش، يعلَن فيه الغضب من اهانة قادته ورموزه. ويشير البيان الى خبر منشور وعنوان في صحيفة «الجمهورية» الحكومية، يقول «قلاع الفساد تتهاوى». والخبر عن تحويل طنطاوي وعنان الى «الكسب غير المشروع».
2- اشارات في الروايات المتسربة عن موقف قادة الجيش الصامت بعد ازاحة طنطاوي وعنان، ووصفه بأنّه التزام بالشرعية، ورغبة في عدم «حرق البلد»، وحفاظ على «مصلحة الدولة العليا»، وخاصة انهم يثقون بالقيادة الجديدة.
3- اشارات في روايات مكتوبة وشفوية الى انّ هناك طلباً متكرراً بتدخل الجيش لمواجهة احتجاجات، او الاستعداد لما هو اكبر. والتأكيد في هذه الاشارة انّ الجيش لن يقف الا مع الشرعية والشعب. وهو ما فُهم على انه تحذير من انحياز الجيش في حالة تكرار السخط في الشارع الى الشعب. وهو ما يفسر من قبيل التطرف على انه تهديد بانقلاب، لكن تفسيرات اكثر هدوءاً تراه اعادة توازن في شركة الحكم، لأنّ قادة الجيش قديمهم (المشير مثلاً) وحديثهم (الفريق السيسي) يدركون أنّ زمن الانقلابات ولّى، كما ان ادارة المرحلة الانتقالية احدثت شروخاً لن تجعل استقبال الجيش في هذه الحالة بالاحتفالية نفسها التي استقبل بها يوم 28 يناير\ كانون الثاني 2011.
الزمجرة وصلت إلى مرسي، وأجبرته على التصرف الذي كان كعادته لا يخلو من رعونة، بدايةً من الاعتذار إلى المشير والفريق، والتصريح بأنّهما مستشاراه (رغم أنّه لم يوجه إليهما دعوة في احتفال اكتوبر، ولم يضعهما في القائمة المعلنة للمستشارين)، ثم الاعلان عن اقالة رئيس التحرير المسؤول عن نشر الخبر، في سابقة لم تحدث في تاريخ الصحافة الحكومية، وتعبّر عن نظرة إلى الدولة، وإلى كل ما فيها على أنّها «عزبة». عزبة يستطيع فيها رئيس الدولة ان يحمي اثنين من قادة الجيش، وأن يزيح رئيس تحرير، لأنّه يحافظ على شركة حكمه.
الزمجرة كسرت بعض الاوهام، وأثبتت انّ مرسي لم يهزم حكم العسكر، كما هللت اجهزة البروباغندا الإخوانية، بل إنّه منح المؤسسة العسكرية فرصة لترميم كيانها، الذي اهتز نتيجة الادارة الفاشلة للمرحلة الانتقالية.
في الاعتذار اعلان بأنّ خروج الجيش لم يكن نهاية لحكم العسكر، بل كان اتفاقاً على ضمان السيطرة للرئيس المنتخب، مقابل الابتعاد عن الواجهة لترميم ما فعله المجلس العسكري في المؤسسة كلها. ابتعاد يضمن المساحة القوية للعسكر في تركيبة الحكم، لا يلغيها، بل يضمنها دستور لم يكتفِ الاخوان في مسودته الاولى بفرض كل ما اعترضت عليه القوى الثورية، بل اضافوا اليه لاول مرة شرط ان يكون وزير الدفاع من الضباط. وهو ما يعني انّ الحكومة اصبحت تخضع لتوزيع الحصص، وانّ في الحكومة المدنية حصة عسكرية معترفاً بها، وبسطوتها داخل الدستور المخطوف من الاخوان.
الزمجرة الخفيفة من الجيش كشفت عن هذا الجزء من اتفاق شركة الحكم، فماذا عن الباقي؟ لماذا يحرص مرسي بانتظام لا يكرره في قطاعات اخرى (غير صلوات الجمعة) على الحضور في الاحتفالات العسكرية؟ ماذا يحدث في سيناء، والى اين انتهى التحقيق في مذبحة الحدود في رفح؟ وما هي الأوراق التي تخص اعلان نتيجة الانتخابات، وكيف ستؤدي دورها في زعزعة شرعية مرسي؟
لا بد إذن من الكشف الكامل عن تفاصيل شركة الحكم، لأنّ هذه الشركة هي المعوق الأول في بناء جمهورية جديدة.



دولة ما قبل الدولة

الدستور مخطوف، وبألاعيب مدهشة كشف أحدها حكم المحكمة الادارية التي كانت يدها مغلولة، لأنّ مرسي اعاد مجلس الشعب عشر دقائق فقط، ليخرج منه بقرار يحصن به تأليف لجنة تأسيس الدستور بما لا تستطيع معه المحكمة الاقتراب منها. لعبة قديمة كشفت عندما احتشدت مصر انتظاراً لإلغاء التأسيسية الثانية، لأنّها في تأليفها لم تختلف كثيراً عن التأسيسية الأولى. الخطف جرى مبكراً عبر التوافق المرحلي بين الاخوان والعسكر على وضع مطبات لتعطيل الثورة، في مقابل السماح للإخوان بالتحكم في كتابة الدستور. الخطف هنا ليس للدستور، بل للدولة، لتبني على نموذج حاولت الجماعات الاصولية فرضه بالإرهاب (إرهاب السلاح وإرهاب التكفير) منذ اكثر من 80 عاماً، لكنها تحاول اليوم بناء «دولتهم» بالحيلة وبالدستور.
الدستور مخطوف من جماعات تفكر بعقل ما قبل الدولة، وأعضاء التأسيسية من خارج هذه الجماعات وادارتها، والبلد كله في اسر هذه الجماعات، التي تقول إنّ عملية الخطف بما لا يخاف شرعية الصندوق. هذا هو التفسير الوحيد للركاكة التي صدرت بها مسودة الدستور، على مستوى اللغة والفهم في الفرق مثلاً بين انواع الحقوق السياسية. وهذه واحدة من العجائب، لأنّه حتى الطغاة كانوا يكتبون دستوراً احترافياً اكثر من المسخ المنشور تحت عنوان مسودة الدستور.
إنّه وثيقة احتلال، تفرض وصايتها على مجتمع تريد منه الاعتذار عن حياته وأفكاره وحريته، مقابل منحه صك «شرع الله»، الذي لا يمكن ترجمته عملياً، إلا انّها اعادة تفصيل الدين ليكون أداة سيطرة على الجموع المؤمنة. وكأنّ الايمان لن يمر الا عبر هؤلاء. وهذه فكرة اذا أخرجتها من الغوغائية التي يتكلم بها المشايخ، فإنها تكون اعادة انتاج لكنيسة العصور الوسطى. ولهذا يريدون تحويل الأزهر الى «كنيسة المسلمين»، التي تؤدي دوراً في السلطة، لا في الدعوة.
الأزهر حسب نشأته مؤسسة بحثية، لا «سلطة دينية»، وهو ما يجري الانقلاب عليه الآن في مسودة الدستور، الذي يعبر عن عقل «ما قبل الدولة» الحديثة. عقل يدير فيه البلاد حاكم فرعون، في شركة مع الجيش والبابا، كما كانت في دول القرون الوسطى، او الجيش والفقهاء كما كانت في دولة الخلافة. هذا العقل لا يعترف بفكرة المواطن، او الفرد الذي هو أساس الدولة
الحديثة، لأنّ هذا الفرد كان أسيراً لمؤسسات تتعامل معه معاملة القطيع. وفي الدستور الذي يكتب في مصر بعد الثورة، هدفه تحرير الفرد من قطعان، ونقله الى مواطن كامل المواطنة، وتحقيق عدالة لا تعني توزيع هبات او عطايا وعلاوات على الفقراء، بل هي تعبير سياسي لا يجعل الدستور مكتوباً دفاعاً عن مصالح طبقات تبرر رأسماليتها المتوحشة، وتحميها ولا تبقي لقطاعات كبيرة إلا ديباجات أنيقة عن العدالة الاجتماعية. العقل الذي خطف الدستور جعله يبني الدولة كما هي موجودة في عقل القادمين من مساحة «ما قبل الدولة»، أي وفق الخصائص التالية: (1) حاكم له الجبروت الكامل والسلطة شبه المطلقة على السلطات الثلاث، بما لم يكن لدى مبارك نفسه؛ (2) سلطة دينية تمنح صك الشرعية للقوانين والعقود والأحكام (الأزهر)؛ (3) جيش له التمييز المطلق، وله حصته التي لا أحد يقترب منها في الاقتصاد والمناصب؛ (4) سلطة الطوائف على غير المسلمين.
هذه بنية السلطة في دستور كتبه القادمون من بعيد، وهو ليس إلا تعديلاً غير جوهري على بنية سلطة الوصاية والاستبداد، التي تعدّ السلطة مقدسة (ما دامت مؤسسة السلطة الدينية تقول إنّها تتبع شرع الله) وتفرض وصايتها على الشعب (بدايةً من تحديدها معنى الرموز الوطنية الى حد القيم الأصيلة للأسرة المصرية، الى آخر تلك الكلمات الفضفاضة التي توضع في مقابل الحقوق الأساسية).



معركة السيطرة



شرع الله. هذه هي أداة السلطة الجديدة، يحملها من يستطيع تحويل أفكاره الى «الشريعة»، وتكتسب هذه الأفكار سلطة ما تمنع التفكير فيها، لأنّها قادمة من غيمة غموض ودولاب سحري يجعل من حاملها شيخاً، كان قبل الثورة يكتفي بسلطته هذه، لكنه بعد الثورة أراد أن يقتحم عالم السياسة. وبالطبع لا يملك هذا الشيخ الا سلطته تلك، التي توظف الدين والتقاليد (كلما كانت رجعية ومتخلفة كان ذلك افضل) لتبدو تعبيراً عن تلك القطاعات من الشعب، الغارقة في نسيان أبدي من كل الطغاة، حيث ابعدوا الى هامش اجتماعي صالح لزراعة وتربية منتجات التخلف، ليصبح كل ما هو شعبي متخلفاً، ويسهل ان يقود المستبد شعباً من الموجودين في مزارع التخلف.
المشايخ بعد الثورة لم تعد تكفيهم سلطة المسجد او المنطقة الصغيرة، ارادوا احتلال السلطة كلها، فهذه فرصة لا تعوض، يستطيعون فيها حشد الشعب البائس ليدخل الجنة اذا حملوه على أكتافهم الى السلطة. الامور لم تسر كما خُطط لها بالضبط، ولم تأت خطة الخروج من المسجد لغزو ارض السياسة بنتيجتها كاملة لمصلحة المشايخ بتنظيماتهم المختلفة، إذ دفع الغزو كل شيء الى المناقشة والجدل، واصبح الشيخ سياسياً تحت النظر، وصدمت الآراء التي كانت تقال في الجلسات التي يسيطر عليها الشيخ بكاريزما مغناطيسية، الجمهور الاوسع من رواده الواقعين تحت سيطرة التنويم المغناطيسي. طرحت كل التابوهات للمناقشة رغم أن الخطة هي ان يمر الشيخ الى السياسة عبر «التابوهات» او عبر سلاحه المتين في تحديد ما هو «تابو» ومحرّم وممنوع. هذه هي الفرصة التي يخاف المشايخ ضياعها، وتحوّلها الى سراب، مع ازدياد الحركة المقاومة لغزواتهم. وهم هنا يعيدون الديكتاتورية من بوابة التماهي بين السياسي والسلطوي. السياسي لاعب لا وجود له الا في الملعب، أي في تعدد اللاعبين، ويدرك أنّه في قانون السياسة لا لعب إلا بالاعتراف بالآخرين. وبدون هذا الاعتراف يلغى اللعب، ويتحول الى تقسيمة او صراعات داخل القصور على من يقتل خصمه اولاً. السياسة ليست الكذب، لكنها اعتراف بوجود الاخرين وبأحقيتهم في المشاركة. ولهذا فإنّ كلام السياسي يظل محل مراجعة، عكس كلام السلطة، التي ينزل كلامها من اعلى، وهو جزء من هيبتها أو قدرتها على التنويم المغناطيسي للجماهير المنتظرة، كما كان يفعل هتلر ومن سار على
دربه.
يمكن السياسي إذن أن يصل إلى السلطة، لكنه يعرف أنّه عابر في فترة، مهما طالت، فترة وجوده. وهذا ما يجعله يمارس هذه السلطة بهذا الوعي. وعدم إدراك الفرق بين السياسي والسلطوي هو تقريباً ما يفسر تغيّر شخصيات محل احترام بمجرد عبورها عتبة السلطة. اغلب هؤلاء ليسوا سياسيين بمعنى من المعاني، لكنهم يمتلكون سلطة معنوية تتحوّل الى سلطة مجردة بسرعة مدهشة.
الرئيس متسلط جديد يصارع المتسلط القديم، وكل منهما يحمل سلاحه تحت «تي ــ شيرتات» مكتوب عليها «الثورة»، وهدفهما الكبير اغلاق المجال السياسي من جديد. الغزوات الخائبة تمنح قبلة حياة للمتسلط القديم واتباعه، فمبارك لم يكن سوى رأس النظام، اما بقية الجسد، فموجود ومختفٍ تحت السطح الفوضوي الساخن. الصراع تغيّر الآن، وتغيّرت معه التركيبات السياسية على ايقاع غزوات الاخوان للدخول في هيكل الدولة المريضة، وكما قلت من قبل فإنّ «أخونة الدولة» خرافة، لأنّ السعي العكسي هو كيف تصبح الجماعة في الدولة، او كيف يدخل الجسم الكبير المعتاد الاقامة بجوار الدولة وفي نعيم اضطهادها، كيف يدخل الى القصر. مهمة مرسي ليست اعادة تفكيك الدولة، بل اعادة تركيبها ليحمل هو مفاتيح القصر واجهزة التحكم في مؤسساتها.
هذه هي المعركة التي يعرف الجميع، بمن فيهم قادة الاخوان، الذين اغرقوا الفضائيات في الايام الاخيرة، انّها ليست معركة ثورة ونظام مبارك، او ثوار وفلول، بل مباراة تخص فوز مرسي بالسيطرة. وهذا يربك قوى متباينة. يربك قوى سياسية تشعر بالخطر من انتصار مسيطر جديد واعادة تدوير الدولة. والارتباك هنا منبعه أنّها ستلتقي هنا مع قطاعات من القوى السياسية القديمة التي كانت مرتبطة بمبارك ولم تقبل او لم تستطع دخول مفاوضات مع الإخوان، او عقد صفقات مع الرئاسة. والمعروف انّ مرسي يمد خطوط اتصال مع الجناح المالي لنظام مبارك. وهناك نجاحات لا يمكن انكارها في اعادة بناء الجناح ليكون «القلب الاقتصادي» للحكم الجديد.
مباراة مرسي تربك الحلفاء ايضاً، بدايةً من الحليف السلفي، الذي لا يتبصر جيداً موقعه في المباراة. هل يقيم عند الخط الفاصل بين السلطة والمعارضة، ام يحافظ على مواقعه في ظل المطالبات باعادة توزيع الحصص في التأسيسية، او في الحكومة، ام يراهن على أنّ الفشل الإخواني يصب في مصلحته؟ اسئلة صعبة على السلفيين الذين واجهوا ضربات أخيراً هزت الثقة في تنظيمهم السياسي، واشارت الى انّهم لا يزالون يراوحون عند بوابة بين السياسة وما قبلها... بين الشيخ والسياسي... بين الصفقات مع السلطة مهما كانت السلطة (شفيق/ مرسي... لا فرق) وبين ممارسة السياسة بوصفها فعل تداول للسلطة.
حليف اخر مثل قيادة الجيش الجديدة ليس اقل ارتباكاً، ورغم انّنا لم نتعرف بعد إلى تفاصيل شركة الحكم الجديدة، فإنّ ما يبدو حتى الآن أنّ هناك سيطرة من الرئاسة، وفي المقابل حصل الجيش في الدستور الجديد (ومن خلال المسودة) على كل مميزاته التي كتبها بنفسه في «وثيقة السلمي»، لكن تلوح في الافق اشارات الى انه من اجل السيطرة يمكن أن يقدم المشير طنطاوي والفريق عنان للمحاكمة. وهذا مربك للحليف الكاكي، الذي سوّق الشراكة مع الاخوان على أنّها ستعيد الهيبة وتمحو الاهانات التي تعرض لها الجيش، بسبب طريقة المشير في ادارة المرحلة الانتقالية.
الارتباك يشمل ايضاً الجناح المالي لنظام مبارك، الذي كان مستعداً للدخول في الشبكة الجديدة بسبب عدم وضوح الرؤية، كما حدث في العلاقة مع رشيد محمد رشيد، الذي أدى ادوار وساطة للحصول على استثمارات في الخليج واميركا، وكانت من اجله تروج فكرة التصالح مع المتهمين في قضايا الاموال، مقابل اعادتهم بعض هذه الاموال، لكن لم ينجح الاخوان في تمرير الفكرة، وأصبحوا في حاجة الى فريسة كبيرة يلهون بها قطاعات ستزداد معاناتها بسبب سياسات مرسي وحكومته.
والخلاصة أنّ مرسي لا يحتاج إلى فرصة، فالسلطة فرصة، لكنّه يتصور أنّها مخصصة لاحتلال الفراغ الذي تركه مبارك، وطرد الجميع منه.