السمة العامة لسياسة السلطة السورية اليوم هي الإغراق في المجازر والإغراق في القصف والتدمير والقتل. لقد انجرفت إلى النهاية، إذ يبدو أنّها وصلت إلى النتيجة البسيطة الواضحة منذ البدء، أي إنها زائلة. فقد استخدمت كل أساليب القمع والاعتقال، ثم القتل، ومن ثم الجيش الذي أصبحت مهمته اقتحام المدن أو تدميرها، وجلبت أعداداً كبيرة من الشبيحة المدربين وغير المدربين، لكي توقف الثورة، لكنّها فشلت.كذلك، صعّدت الاعتقال والقتل، وأصبح الجيش هو العنصر الرئيسي في الصراع، وأطلقت يد الأمن لكي يفعل ما يشاء، دون أن تتوقف الثورة. بل توسعت هذه الأخيرة إلى أن وصلت إلى كل سوريا بعدما كانت محصورة في مناطق الريف والمدن المهمشة، كما شملت كل الطبقات الشعبية والفئات الوسطى والتجار. حتى الفئات المتخوفة وجدت أن عليها أن تفك دعمها لهذه السلطة.
لذلك زادت السلطة من المجازر التي يرتكبها شبيحة محترفون هم جزء من الجهاز المافياوي الذي يتبع المافيا الحاكمة، والذي تدرب كـ«جيش» مافياوي، ويعمل في كل أشكال التهريب والسوق السوداء التابعة لهؤلاء. والهدف هنا هو تخويف العلويين من أنّ أي انهيار للسلطة سوف يقود إلى رد فعل طائفي ضدهم لكي يبقوا متمسكين بالسلطة ومدافعين عنها، إذ بدأت السلطة تشعر بأنّ هؤلاء ينفكون كذلك مثل بقية «الأقليات» (الدروز والمسيحيين) التي ابتعدت أو حتى انخرطت في الثورة.
ولقد وسعت من القصف والتدمير والقتل الجماعي في كل المناطق المتحركة، من درعا إلى آخر نقطة في الشمال. وأصبح هدفها هو تدمير كل مدينة تقاوم، بغض النظر عن الضحايا.
إن العري «الشعبي» الذي باتت تعانيه السلطة فرض عليها أن تتمسك بآخر حلقة لها، وهي ما تعتقد بأنّهم أداتها الأخيرة التي جرى اللعب منذ بدء الثورة على تخويفهم من مصير دموي فيما إذا سقطت السلطة. أي إنها باتت تعتمد على «الفئات العلوية» في أجهزة السلطة وتتشكك في بنية السلطة كلها. ولهذا كانت المجازر ضرورة لضمان تماسك هؤلاء للدفاع عن مصالح مافياوية أنهكتهم قبل أن تنهك بقية فئات الشعب السوري، وأبقتهم مفقرين ومهمشين، لكن بات عليهم أن يخافوا المستقبل، وبالتالي أن يتمسكوا بالسلطة إلى النهاية لكي لا يحاسبوا على ما لم يفعلوه.
وهنا نلحظ أنّ ما يطبَّق هو الشعار الذي رُفع منذ البدء: الأسد أو لا أحد. الشعار الذي تلخّص في كلمات رامي مخلوف منذ الأيام الأولى بأنّهم قرروا خوض الحرب إلى النهاية، لكن الشعب لا يزال مصراً على خوض الصراع، رغم كل ذلك. وإذا كان هناك من يلحظ «قوة السلطة» من خلال كل هذا العنف، فإنّ تلمس وضعها الحقيقي يفتح على تفسير السبب وراء كل هذا العنف، الذي لا يسمح أصلاً باستمرار السلطة، لأنّه يظهرها كعصابة مافياوية مجرّدة من كل هيبة السلطة التي كانت تضفيها على ذاتها، أو يُنظر إليها من خلالها.
فقد انتهت «قاعدتها الشعبية» تماماً، وانشقت قاعدتها الطبقية بخروج التجار من مسار دعمها. وتغلغل الشك إلى بنيتها فبدأت في الانقسام، لأنّ فكرة أن الخيار الأمني العسكري هو الحل أصبح مشكوك فيها لدى كتل كبيرة في بنية السلطة ذاتها، ولهذا يجري البحث عن خيار بديل لا يتحقق إلا بتصفية الممسكين بالسلطة الآن. وإذا أضفنا الإنهاك الاقتصادي وافلاس الدولة، والانهاك العسكري، فسنلحظ عمق المأزق الذي يحكم من قرروا الانتصار حتى وإن تحقق ذلك بألا يبقى أحد.
الآن، ولكي تنتهي المجازر صار لزاماً إسقاط السلطة. أيضاً لكي ينتهي الركون الاقتصادي يجب أن تنتهي السلطة ويرحل من قرر هذا الخيار الدموي. وكذلك لكي تمارس مؤسسات الدولة نشاطها لا بد من أن تنتهي السلطة التي قررت اختصار الدولة بالعنف المسلح.
الوضع يتسم بالشلل الكامل في الاقتصاد والدولة. والفكرة التي باتت واضحة هي أنّ هذه السلطة عاجزة عن الحسم، ولهذا يجب أن ترحل. ولا شك في أن هذا الشلل يؤشر إلى أن العقدة يجب أن تحل، أي إن الجمود يجب أن ينتهي عبر تغيير السلطة، فهذه السلطة هي من أوصل إلى ذلك، ولهذا عليها أن ترحل.
ما سيسرّع في ذلك يتمثل في سياقين: الأول الانضمام العلني الواضح للساحل في الثورة، لأنّ ذلك سوف يفقد السلطة آخر أدواتها التي تعتمد عليها في العنف، ويسمح بفقدانها آخر مرتكزاتها التي تستميت من أجل استمرار تماسكها. والساحل، كغيره من المناطق السورية يخاف من البديل الأصولي الذي روّجت له السلطة وأطراف في المعارضة. ويتضح الآن كم هو وهمي هذا البديل، ومستحيل (مثل التدخل الإمبريالي الذي روّج له وأصبح واضحاً أنّه غير موجود). ولذلك لا بد من اكتمال انخراط الشعب في الثورة بعدما انخرط جبل العرب.
والثاني هو كف الدعم الروسي للسلطة، وإذا كان الروس لا يسمحون بالتدخل العسكري فإنه يجب أن يكون واضحاً موقفهم من السلطة التي تحملوا وزر ما فعلت طيلة الشهور الماضية. أي أن تفهم السلطة، وأن يعرف الشعب أن الروس لا يدافعون عن السلطة في مواجهة الشعب، وأنهم بالتالي لا يتمسكون بها. ربما هناك مؤشرات في هذا السياق، لكن يجب أن تكون الأمور أوضح كثيراً. إن اتّضح عدم دعم روسيا للسلطة فسوف يسرّع هذا في تفككها بالضرورة، وهو أمر مهم لتحقيق التغيير.
في كل الأحوال ما ترتكبه السلطة من جرائم يوضح أنّها في الرمق الأخير، ولا بد من استمرار كل أشكال الاحتجاج الشعبي والعسكري، وتطوره لكي نصل إلى تحقيق التغيير.
* كاتب عربي
10 تعليق
التعليقات
-
تأييدهذا التحليل منطقي متماسك لا يحتاج الى اي نقد الا من اولئك الذين وضعوا غشاوة على اعينهم ، يبدوا لي ان بعض الاخوة هنا يؤيدون هذا النظام من منطلقات شتى او ربما من نفس المنطلق الذي تحدث عنه سلامة كيلة ، وهو الخوف من ان يحملوا وزر شيء لم يرتكبوه في حالة سقوط النظام وقيام دولة اصولية ، ايا كان هذا لا يجيز لنا من منطلق اخلاقي انكار جرائم النظام وتزوير الحقائق على الارض .واللبنانيين انفسهم يعلمون حجم جرائم هذا النظام ، وكثير من ابنائهم لا زالوا مختفيين في سجون هذه العصابة ، على الاخوة العلويين ان يحسموا امرهم وعلى زعمائهم ان ينضموا للثورة وهذا سيكون الوسيلة الحقيقية لحمايتهم وعدم اعطاء اي فرصة لاي طائفي ان يحملهم وزر اشياء لم يرتكبوها ، فلا زال الكثيرون يقولوا لماذا لم ينضم العلويين للثورة !! هل هم مع جرائم هذا النظام !!
-
عندي شعورحاسسني قلبي أنو كيلة سيلقى مصير صاغية.
-
أوافقك على ما تكتب, ولمن لمأوافقك على ما تكتب, ولمن لم يدرك بعد بأن هذه العصابة زائلة وإلى الأبد أقول بأنه آن الأوان لفهم دوران عجلة التاريخ, الشعوب باقية والدكتاتوريات الإجرامية تكتب نهايتها بيدها فهي لا تمتلك أية شرعية والأمر لا ينطبق على عصابات الحكم في سوريا بل على غالبية الأنظمة العربية التي هي أساساً من مخلفات الحقبة الإستعمارية. لا يعاب على الثورة السورية تأييد أي نظام متخلف ومرتبط بالمصالح الغربية كالسعودية وقطر بل يعاب على تلك الأنظمة تاريخا غير الحميد. لا يمتلك أحد ذرة من الحق بالوقوف ضد مطالب الشعب السوري المشروعة بالتحرر من آفة الإجرام والعصابة المافيوية تحت أية ذريعة كانت, الحريصين على سوريا وشعبها كان بوسعهم نصيحة هذه العصابة بالإصلاح وتنبيه الشعب السوري من بعض المعارضين الخارجيين الذين ينفذون مآرب خارجية في الداخل السوري, أما القول بأن كل المعارضة على شكل بسمة قضماتي وما شابهها فهو مغرض ومضلل ومردود على أصحابه. سينتصر الشعب وسترحل الديكتاتورية وللأبد
-
الى ماهر نعم انا ايضا ارىالى ماهر نعم انا ايضا ارى المهمشين والتكفيريين يملؤون الساحات فقط في بعض التلفزيونات ولكن لنفرض جدلا انك تقول الحقيقة من الذي دفع بالمهمشين الى الطرقات غير القهر ؟اما عن التكفيريين انت وانا نعلم من دفع بهم الى الشارع كي يشوهوا الحراك ولكن بعضهم افلت من قبضتهم ولم يعودوا قادرين عل السيطرة عليهم لذلك بالله عليكم لا تعودوا وتذكروا هذا الكلام الممل !!هل اعجبك منظر دمشق اليوم وهي تدك بالصواريخ من المروحيات ؟هل يعجبك خوف الاقليات من الذي يجري الآن؟ من الذي اوصل الوضع الى هذا الحد؟الجيش يطلب من بعض الناس اخلاء البيوت في بعض المناطق الى اين يذهبون الى اي جهنم سيودونهم ؟؟ثم الى متى الاجرام والله انا اشك بان الذي جرى اليوم هو من تدبير النظام لان وزير الدفاع كان فد اتوا به بعض رفض الوزير السابق وهو محبوب ومهذب .
-
بائع الاوهامكنت اكثر الناس حنقا وغضبا حين تم اعتقالك وانا وان كنت ليس من المؤيدين ولكني معارض بامتياز للمعارضات السورية التي لم تجيد منذ بداية الازمة الا لغة الصراخ خاصة المثقفين الذين باعوا الكثير من الاوهام للسوريين وورطوهم بمعارك غير متكافئة هذا عد عن المتجرة بدمائهم من قبل دول غارقة بالتخلف والاستبداد ودول استعمارية تجمعت كلها نفاقا حين اشتمت رائحة الدم السوري كل هؤلاء لم يستفزوا الكيلة وممن هم على سويته الثقافية ولم يصرخوا كما صرخ مناع ضد عسكرة الثورة وضد اسلمتها وضد التورط بتحالفات لن تكون ابدا مجانية بل ستكون سيادة سوريا اول اثمانها انشغل كيلة ومن معه بلغة كيدية غير واقعية الثورة لها مرتكزات وهي غير متوفرة بالمطلق في التحركات السورية والشوارع تعج بالتكفيرين والمهمشيين من اصحاب السوابق وهناك بالتأكيد ناس اشراف ووطنيين ولكنهم ضاعوا في زحمة المتاجرة والمزايدة وضاعت شعاراتهم واحلامهم كما جرى في مصر وتونس ولن اذكر ليبيا لان ما حدث فيها ليس له اية علاقة بالحركات الشعبية التحررية رغم كل استبداد حاكمهم والذي رسم مشهد نهايته بما يومئ بمن حل مكانه كفاكم صراخا واشعلوا ضوءا في مسيرة سوريا وشعب سوريا ومطالب شعب سورية ستبقى واجبة ومحقة رغم كل ما فعل بها المعارضين والمستعمرين والعربان
-
استاذ سلامة معك حق بكل مااستاذ سلامة معك حق بكل ما كتبته حقيقة القتل والذي امتد حتى العاصمة دمشق والتي تشهد مواجهات عنيفةوضرب بالصواريخ من الطائرات المروحية هذا كله يدل على انهم فقدوا السيطرة على انفسهم وحتى سحب الجيش من الجولان ماذا يعني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والشاطر يفهم بانهم ليسوا خائفين من اسرائيل كما صرح فاعل الخير رامي مخلوف .شكرا لك سلامة واتنمنى لك الصحة
-
تعليق على هذه "المجزرة"! 2اعترفت أهم مراكز الأبحاث الأميركية وكبريات الصحف العالمية (بالإضافة طبعا إلى واقع الحال وكل من له عينين يراه ولكن لا بأس من إيراد ما شهد به العدا) بأن النظام السوري ما زال يتمتع بدعم (منهم من يقول أغلبية أيضا) شعبي قوي ضمن كل أطياف الشعب السوري وخصوصا بين أهل السنة...,ثم إن القول أن جبل العرب قد “انخرط في الثورة" كذب فاضح! -"الحقد شخصي" : <"صار لزاماً إسقاط السلطة",,"يجب أن تنتهي السلطة",,"لا بد من أن تنتهي السلطة",,"ولهذا يجب أن ترحل",,"""العقدة يجب أن تحل!!!""",,"ولهذا عليها أن ترحل"...>,وكل هذه الجمل من فقرة واحدة!! -وأخيرا "استفسار",يا استاذ كيله,حضرتك كتبت عشرات المقالات التي تضمنت عبارات تجهل فيها الفاعل عندما تقول : <الوضع يتسم بالشلل الكامل في الاقتصاد..> من سبب الشلل في الإقتصاد؟!,ما بك كررتها مئات المرات دون ذكر السبب؟!,طيب "الإحتجاج العسكري" (مهما كان معنى ذلك!) من يعسكره ويموله؟!,ألا تعرف أم ماذا أيها "الكاتب اليساري الماركسي الشيوعي العربي"؟! سأقول لك من : `أميركا` `العم سام` `الولايات المتحدة الأميركية` ومعها حلف الناتو,لا بد أنك تعرفه,فهو كان عدو حلف وارسو,ام أنك نسيت هذا “المرحوم" أيضا؟!,ومعهما دول الخليج أو ما كنت تسميه حضرتك أيها "التقدمي" بدول الرجعية! ألم أقل أنهم "بحلفائهم مستحون"؟!!,ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-
تعليق على هذه "المجزرة"!يمكن ببساطة ويسر تتبع النسق "الغوبلزي" مع جرعة عالية من "البروباغندية" مع بصمة واضحة من "مشاعر الحقد الشخصي" الواضح -أكثر من أي وقت مضى- ...,في كل جملة وسطر في ما يفترض بها أن تسمى مقالة تحليلية!! إلى هنا لم يتغير شيء كثير -اللهم إلا اللهفة الزائدة مئات الأضعاف عن السابق- عن سياق مقالات السيد كيله كلما كتب عن الأزمة السورية وهو جل ما كتبه في هذه الصفحة بالذات منذ سنة وأربعة أشهر إلى الأن... ولكن هناك تغيير ومهم أيضا أو بالأحرى إضافة وهي مهمة أيضا,وكان من المفروض أن تكون مرحب بها بعد التكرار الذي عانت منه مقالاته في كل شيء صراحة وخصوصا في "توقعاته بقرب سقوط النظام قريبا"...! هذا التغيير الغير مرحب به هو التحريض الفاقع على الإقتتال والتناحر المذهبي ولو حاول -بفشل شديد- الكاتب "الماركسي" تمويهه! فمثلا إذا قال :<أي إنها باتت تعتمد على «الفئات العلوية» في أجهزة السلطة وتتشكك في بنية السلطة كلها. ولهذا كانت المجازر ضرورة لضمان تماسك هؤلاء للدفاع عن مصالح مافياوية> فبماذا ينفع أن يقول بعدها : <أنهكتهم قبل أن تنهك بقية فئات الشعب السوري، وأبقتهم مفقرين ومهمشين>, وخصوصا أنه في فقرة لاحقة يعيد القول :<.."يجب"..الانضمام العلني الواضح للساحل في الثورة، لأنّ ذلك سوف يفقد السلطة آخر أدواتها التي تعتمد عليها في العنف..> -"البروباغندا الغوبلزية" : <"إن العري «الشعبي» الذي باتت تعانيه السلطة فرض عليها أن تتمسك بآخر حلقة لها",,"فقد انتهت «قاعدتها الشعبية» تماماً، وانشقت قاعدتها الطبقية بخروج التجار من مسار دعمها",," بعدما انخرط جبل العرب"..>,
-
حيرةحائر انا يا سيد كيلة، في تفسير ارائك هذه التي تظهر بوضوح البعد الهائل عن ارض الواقع، اذ بغض النظر عن توصيفك للنظام هل يعقل انك لا ترى تدخلا "امبريالياًً" سوى التدخل الروسي!؟! اخشى انني ساكون مجبرا على تصديق ما المح اليه الاستاذ ناهض الحتر! فمن يقول يانه مناهض للامبريالية ثم يخرج للحديث عن النظام على شاشات امبريالية كالجزيرة(كما اشار الاستاذ ناهض) اذا لا بد انه يقع في تناقض كبير!! لا حول ولا قوة الا بالله