قضايا المشرق | قلوب الأردنيين تتّقد شمالاً من الشام وُلدنا وإلـى الشام نعودأحمد أبو خليل *
في عمق البادية الأردنية الشمالية الشرقية، أُجري هذه الأيام بحث أنثروبولوجي في المنطقة المجاورة للحدود مع سوريا. الناس هنا، لا يميزون أنفسهم عن جيرانهم وأقربائهم في الجانب السوري، بل إن سيدة بدوية أردنية، لا تعرف حتى الآن إنْ كانت المنطقة التي وُلِدَت فيها تتبع للأردن أو لسوريا، وعند سؤالها اكتفت بالقول: «ولدت بالخلا».

جوهر هذا الموقف يتكرر من شرق الحدود حتى غربها. ففي الغرب أيضاً لا يلتفت سهل حوران للسياسة كثيراً. ولا يزال أهل مدينة الرمثا الأردنية، يتذكرون أول مسيرة «عابرة للحدود» شارك فيها المئات منهم قبل نحو ستين عاماً، وتجاوزوا الحدود وصولاً إلى درعا السورية، وقابلوا هناك أشقاءهم وجيرانهم «الذراعنة» (وهي التسمية الرمثاوية لأهل درعا). وقتها كان الأردنيون يريدون التعبير عن تضامنهم مع سوريا، فمشوا في تلك المسيرة نحو ستة كيلومترات، هي المسافة الفاصلة بين الرمثا ودرعا، وفي طريقهم حطّموا الصخرة الحجرية التي ثبتها الإنجليز بعد أن نحتوا عليها عبارة «الحدود السورية»، وقد ظل محطم الصخرة، المرحوم عبده الوزان الخزاعلة يروي بافتخار قصته تلك حتى رحيله قبل أعوام.
لا يعرف الأردنيون قضية أثارت قلقهم مثل الأزمة القائمة حالياً في سوريا. في بداية الأمر ارتبكوا وتوزعوا على شتى المواقف، غير أنهم جميعاً كانوا ينطلقون من حب خاص لسورية والسوريين. ولم يمض وقت طويل حتى اتضح المشهد، فالأعداء لم يتمكنوا من مواصلة التمويه الذي مارسوه في البداية.
لم تكن سوريا عند الناس الأردنيين، في يوم من الأيام، شأناً سياسياً محضاً، وقد اعتادوا في العلاقة معها إخضاع السياسة، لا الخضوع لها، ولن تكون الأزمة الحالية استثناءً.
* باحث وكاتب