قضايا المشرق | قلوب الأردنيين تتّقد شمالاً من الشام وُلدنا وإلـى الشام نعودلا يمكن فصل الطائفية، والكيميائي، كسلاحين يشكلان لقْيةَ الرأسمالية، تحت الزعامة الأميركية، عن اللعبة التدميرية الجارية في سوريا. وليس غريباً على الخطاب الأميركي والممارسة السياسية البراغماتية المرتكزة عليه أن يطوّعا قوى الكون الملحقة بهما والحقائق العرجاء التي يصطنعانها، لتنفيذ استراتيجيتهم في السيطرة على العالم، وحلّ أزمة الرأسمالية، ولكن الغريب أن يستمرّ بعض السوريين في تصديق قوى المعارضة التكفيرية من «جبهة النصرة» إلى «دولة العراق والشام الإسلامية»، في تبرير تناقضات الموقف الأميركي وذرائعيته المقيتة التي خَبِرها العالم، من كذبة أسلحة «التدمير الشامل» التي بررت غزو العراق وتدميره، إلى تكرار أميركا اللعبة القذرة ذاتها مع سوريا، لشنّ هجوم ضدّها وإكمال عملية تدميرها.

وإذا كانت الرجعية العربية الخليجية، بزعامة السعودية، تتشفى بتمزيق سوريا وبلاد الشام، انتقاماً من حضارتها، أملاً في تأبيد الثقافة البدويّة ونظامها الحياتي، فإنّ بعض قادة المعارضة التكفيرية مثل ميشيل كيلو، منذر ماخوس، وجورج صبرة، إلخ...، يوظّفون إمكاناتهم الثقافية وتاريخهم (الذي كان تقدمياً وأصبح رجعياً) في خدمة الحلف الصهيو ـــ أميركي، الرجعي الخليجي، والإخواني التكفيري لهذا الهدف. قدمت روسيا لمجلس الأمن الدلائل الواقعية القوية على استخدام المعارضة التكفيرية للكيميائي، ومع هذا تستمر الإدارة الأميركية، وهولاند بالتمسّك بالكذبة، لتبرير العدوان على سوريا، الذي تعدّ له عسكريّاً بالتعاون مع حلفائها في العالم.
وليس خطر مسرحية استخدام الكيميائي الغربية الذي أدركته إيران وكافة قوى التحالف المقاومة للمشروع الغربي ـــ التكفيري، بأقل هولاً من لعبة الطائفية التي يديرها الحلف الغربي، التركي، الرجعي العربي، والإسلاموي التكفيري في سوريا، العراق ولبنان. وقد بدأ تنفيذ الخطة الأميركية بإقامة علاقة علنيّة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وتقوم هذه الأخيرة - كما قال وليد فارس، أحد المستشارين في الكونغرس الأميركي، منذ أكثر من عامين - على خطوتين: 1ــ الحوار بين الإدارة والإخوان المسلمين، 2ــ التشاركية والتنسيق معهم. ولا يريد قادة ما يسمى «الثورة السورية» الاعتراف بالحقيقتين الساطعتين: الأولى، كل من له ثقافة أصيلة في هذا العالم، يدرك أن الإسلاموية التكفيرية لا يمكنها أن تُنجزَ عملية بناء الديموقراطية، من حيث المبدأ؛ بحكم دوغمائيتها معرفياً، وإقصائيتها سياسياً. والثانية، تستخدم أميركا براغماتياً، قوى الإسلام السياسي التكفيري، مستغلة أزمة المجتمع السوري، وديكتاتوريةِ نظامه، لإحداث أزمة كارثية كي تتمكن من التدخل فيه والسيطرة عليه، تحقيقاً لمصالحها التكتيكية والاستراتيجية.
وإذا كانت قصة استخدام الدين لأهداف سياسية في المرحلة الحديثة من قبل الغربيين، بدأت مع نابليون، إبّان الحملة الفرنسية على مصر، عندما سمّى نفسه وهو على ظهر أسطوله «الشيخ محمد نابليون»، فإنّ التوظيف الراهن، كان مع تصريحات كلينتون وزيرة الخارجية، منذ أكثر من عامين حين قالت على شاشات التلفزة: «المعارضة السورية تملك المال والسلاح، وهناك خوف من الانزلاق نحو حرب طائفية». وقد شاركت كلّ وسائل الإعلام العربية والعالمية الناطقة باسم ما يسمّى «الثورة السورية» في عملية التحريض الطائفي ـــ المذهبي، بين السنّة والشيعة، وبين السنّة والعلويين. والمفارقة أنّ تكرّر أميركا «ليلاً ونهاراً» أنها ضدّ الإرهاب، في الوقت الذي تدعم فيه تنظيم القاعدة و«داعش» المتحالف معه، وتعلم أن هذا التنظيم هو الذي يقوم بالتدمير في سوريا، وهذا ما أكده مايكل موريل المسؤول في جهاز المخابرات الأميركية، حين أعلن «قلقه» من تحول سوريا إلى معقل لتنظيم القاعدة، وأن سوريا تسير باتجاه «فشل الدولة».
السؤال هنا، كيف يمكن أن تستجمع القوى العربية اليسارية التقدمية، من شيوعيين، قوميين، ديموقراطيين، وطنيين، ودينيين مستنيرين مقاومين، طاقاتها لمواجهة الجولة الأخيرة، ربما، في مشروع الهيمنة الإمبريالية على العرب والعالم، ومواجهة مزاعم السلاح الكيميائي، وخطر الطائفية والمذهبية؟
من الحقيقي، أن تقديم أية ورقة ـــ مشروع، في هذا الإطار، لا يمكنه إلا أن يأخذ باعتباره جوانب المشكلة الأساسية: أولاً، رفض المشروع الإمبريالي فكراً وممارسة، وتعميم ثقافة المقاومة للغرب الاستعماري ـــ الصهيوني في الوعي العربي؛ ثانياً، العمل السياسي السلمي، لإسقاط النظام الديكتاتوري بصورة تدريجية وآمنة، وبما يحافظ على السلم الأهلي، وإنجاز التغيير الديموقراطي الجذري في المجتمعات العربية، وخصوصاً المشرقية (سوريا، لبنان)، باعتبارهما البوابة المستهدفة الآن بالنسبة إلى المشروع الطائفي والغربي، الأمر الذي يقويها ويجعلها جبهة مواجهة حقيقية صلبة؛ ثالثاً، بالإضافة إلى شنّ حملة سياسية دعائية على الضخ الإعلامي الغربي، في ما يخصّ مزاعمه التلفيقية عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي، لا بدّ من العمل على توفير الدعم السياسي الشعبي العربي للدول العالمية، مثل روسيا والصين، والعربية، مثل الجزائر والعراق ولبنان ــ المقاوم، من أجل قطع الطريق على احتمال شنّ حرب على سوريا، تحت هذه الذريعة؛ رابعاً، مشاركة الجميع في تعميم ثقافة نقدية تأملية متأنية لدى الناس، بحيث يصبحون قادرين على التحصّن العقلي ضدّ الطائفية والمذهبية المدمرتين.
* كاتب وناشط يساري ــ سوريا