هل دخل لبنان فعلاً في عين العاصفة، وأصبح هدفاﹰ للتفجير، مثله مثل العراق؟ وألم يكن بالإمكان استدراك ما يحصل، وبالتالي العمل على اتخاذ الاجراءات الميدانية والسياسية، التي كانت ستحول دون تفاقم الأمور واستفحالها، والتي أدت إلى انكشاف لبنان أمنياﹰ، ليصبح هدفاﹰ سهلاﹰ للفكر التكفيري ومخططاته الارهابية؟ وهل بات مستحيلاﹰ التصدي لما يحصل ووقف مسلسل التفجيرات الدموية، التي تصيب المواطنين العزل والآمنين، القابعين داخل منازلهم ومتاجرهم، أو الذين يصادف مرورهم في الأماكن المستهدفة، لا فرق؟ وما هو دور الدولة وتركيبتها الأمنية والسياسية، هذه الدولة التي اكتفت بإصدار التوقعات وفقاﹰ لمعلومات أمنية واستخبارية؟ وألم يكن بمقدورها القيام بمبادرات غير تلك المتعلقة باحترام اعلان بعبدا، واعتماد سياسة النأي بالنفس، سياسات أثبتت عقمها لكون بعض الأطراف اللبنانية متورطة مع المعارضة السورية منذ أمد بعيد؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من عرض الأحداث التي سبقت التفجيرات الأخيرة.
الحرب السورية والوضع اللبناني

منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا واشتداد حدة المعارك، مثّل لبنان ملجأًﹰ آمناﹰ لمختلف الأطراف السورية، موالاة ومعارضة على حد سواء، ولقد مثل مطار بيروت متنفساﹰ لكل السوريين الراغبين في السفر، وكان الاعتقاد السائد بأن لبنان سيؤدي الدور الذي أدته سوريا إبّان الحرب اللبنانية. بالفعل فقد مثّل لبنان ممراﹰ مميزاﹰ لايصال المساعدات الدولية، الانسانية، والطبية إلى كل الشعب السوري من جهة، ومن جهة ثانية كانت عمليات اجلاء المصابين بواسطة الصليب الأحمر الدولي تجري عبره، وذلك بفعل موقعه الجغرافي المميز، وبفعل انفتاح أهله، مع تسجيل بعض الاعتداءات على صهاريج المازوت، التي كانت في طريقها من لبنان إلى سوريا.
في ظل هذه الأجواء الضاغطة في سوريا، وتورط أكثر من طرف لبناني فيها، واجه اللبنانيون الاستحقاق الأول المتمثل في ضرورة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وبعد فشل المجلس النيابي والقوى السياسية في إنتاج قانون عصري للانتخابات يلبي طموحات مختلف فئات المجتمع اللبناني، ويعالج غبن التمثيل لشريحة كبرى منهم، جرى التمديد للمجلس النيابي. ففي الوقت الذي كانت فيه كل الدول، ولا سيما الكبرى منها، تشجع على ضرورة اتمام الاستحقاق النيابي في موعده، (لما لهذا من دلالة قوية على استمرار الدولة وعمل مؤسساتها وفقاﹰ للأصول الديمقراطية المعمول بها في كل النظم السياسية)، ارتأت كل الكتل النيابية في المجلس النيابي باستثتاء التيار الوطني الحر، تعطيل هذا الأمر، متذرعة بالوضع الأمني المتوتر السائد في البلاد.
لقد مثّل هذا الأمر سابقة خطيرة في الممارسة النيابية، إذ إنّ اللبنانيين كانوا قد مارسوا حقهم الطبيعي في اختيار ممثليهم في الندوة النيابية، بغض النظر عن الظروف الأمنية والسياسية التي كانت سائدة، فلا الاحتلال الإسرائيلي والغارات الجوية، ولا الوجود السوري وممارساته الأمنية وتدخله في الشأن السياسي، ولا حتى مقاطعة أكثرية المسيحيين في مرحلة من المراحل، حالت دون اجراء الانتخابات في مواعيدها.
إنّ عملية اجراء الانتخابات، كانت ستمثّل الفرصة الذهبية للبنان للحؤول دون وصوله إلى حافة الهاوية، وبالتالي كان من الممكن جر الأطراف الدولية والإقليمية إلى ممارسة ضغوطها، وإلى الانغماس في اللعبة الديمقراطية، من طريق دعم هذا الفريق أو ذاك، وذلك بدلاً من تورطها في لعبة الدم التي تستهدف اللبنانيين الأبرياء، كما حدث في التفجير الارهابي الذي استهدف منطقة الرويس في الضاحية، ومنطقة طرابلس. كذلك فإنّه كان من شأن ممارسة العملية الانتخابية خلق مظلة دولية للبنان، من طريق دعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى مراقبتها. هكذا نرى أن الدولة قد أضاعت هذه الفرصة الذهبية، وبدلاﹰ من ارسال رسالة واضحة إلى العالم كله، ولا سيما الدول المعنية بالشأن اللبناني، مفادها أن لبنان لا يمكن أن يرضخ لمنطق الارهاب، أعطت هذه الدولة انطباعاﹰ سلبياﹰ، وهو الاستسلام لهذا المنطق والخضوع له.
الاستحقاق الثاني الذي واجه الدولة اللبنانية، هو مسألة إحالة قائد الجيش ورئيس الأركان على التقاعد، ونتيجة للشلل الذي أصاب الدولة وعدم توافر النية لدى حكومة تصريف الأعمال للقيام بواجبها، وللاجتماع لاتخاذ قرار بتعيين قائدﹰ جديدﹰ للجيش ورئيسﹰ للأركان، جرى التمديد لقائد الجيش. وبعد حوادث عبرا وانهاء ظاهرة الشيخ أحمد الأسير، وقيام الجيش اللبناني بضباطه وعناصره، بتسطير أروع البطولات وتقديم عشرات الشهداء، وإعادة الهيبة إلى الدولة والكرامة إلى الجيش، التي أهينت إبان حوادث عرسال، كان بمقدور الدولة، وحكومة تصريف الأعمال تحديداﹰ، أن تنعقد وتقرر تعيين ضابطﹰ قائداًﹰ للجيش، من ضباط الجيش الأبطال من قادة الأفواج المقاتلة، وهذا الأمر كان يمكن أن يبعث برسالة لا لبس فيها، إلى مختلف المنظمات الارهابية، وإلى كل العابثين بأمن المواطنين، مفادها أن الجيش ستكون له الباع الطولى في مكافحة الارهاب، والحفاظ على وحدة الوطن وأمن المواطنين.

هل فات الأوان لعمل إنقاذي؟

بعدما فوّت الحكم كل الفرص الإنقاذية، بسبب حسابات سياسية وقراءات خاطئة، بات من الواجب إعادة النظر في كل شيء، وأصبح على المسؤولين العمل بوتيرة أسرع وأنجع، وذلك بغية تأليف حكومة وحدة وطنية يشارك فيها كل فريق بحسب حجمه التمثيلي في الندوة البرلمانية، وعدم التلهي بشعارات فارغة وفضفاضة، كالمناداة بحكومة تكنوقراط أو حكومة مصلحة. إنّ تأليف حكومة كهذه هو بداية الحل لا نهايته، فعلى هذه الحكومة ارسال رسائل واضحة إلى العالم أجمع تقوم على:
ــ تعيين قائد للجيش يكون من ضمن قادة الأفواج المقاتلة، مع اعطاء الجيش كامل الصلاحيات في الموضوع الأمني والعسكري، ورفع الغطاء عن المناطق والأشخاص.
ــــــ وضع قانون جديد للانتخابات يلبي طموح الناس، ويرفع غبن التمثيل عنهم، ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية في أقرب وقت ممكن.
ــــــ وضع حد للنزوح السوري وقوننته، والعمل على إعادة النازحين إلى المناطق الآمنة في الداخل السوري.
ــــ الاسراع في اقرار المراسيم والاتفاقات الخاصة بقطاع النفط، كذلك الإسراع في عمليات التلزيم الخاصة بهذا القطاع.
إنّ القيام بكل هذه الخطوات من شأنه ليس فقط إعادة الثقة بلبنان، بل أيضاً حث العالم على أن يكون شريكاﹰ للبنانيين، أمنه من أمنهم وسلامته من سلامتهم.
وفي ظل هذا الوضع المتفجر أصبح لزاماﹰ على حكومة تصريف الأعمال الاجتماع واتخاذ كل ما يلزم لإنقاذ لبنان من عين العاصفة، وأصبح لزاماﹰ على الرئيس المكلف أن يقوم دون ابطاء بتأليف حكومة وحدة وطنية، أو فليعذرنا ويعتذر تلافياﹰ لسقوط المزيد من
الأبرياء.
* كاتب لبناني